بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ (فِيمَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ رَجَبٍ وَنَوَى بِهِ الْيَمِينَ أَنَّهُ نَذْرٌ وَيَمِينٌ) هَذَا مَقُولُ الْقَوْلِ (حَتَّى لَوْ لَمْ يَصُمْ يَجِبُ الْقَضَاءُ) لِكَوْنِهِ نَذْرًا (وَالْكَفَّارَةُ) لِكَوْنِهِ يَمِينًا فَهَذِهِ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ وَإِذَا كَانَ نَذْرًا وَيَمِينًا يَكُونُ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ فِي النَّذْرِ مَجَازٌ فِي الْيَمِينِ (لِأَنَّهُ نَذْرٌ بِصِيغَتِهِ يَمِينٌ بِمُوجَبِهِ) هَذَا دَلِيلٌ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يَرِدُ ثُمَّ أَثْبَتَ أَنَّهُ يَمِينٌ بِمُوجَبِهِ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ إيجَابَ الْمُبَاحِ يُوجِبُ تَحْرِيمَ ضِدِّهِ وَتَحْرِيمَ الْحَلَالِ يَمِينٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: ٢] كَمَا أَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ شِرَاءٌ بِصِيغَتِهِ تَحْرِيرٌ بِمُوجَبِهِ (فَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ جَمْعًا بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ) بَلْ الصِّيغَةُ مَوْضُوعَةٌ لِلنَّذْرِ وَمُوجَبُ
ــ
[التلويح]
فِي الْأَوَّلِ عَلَى بَيَاضِ النَّهَارِ، وَيُعْلَمُ الْحُكْمُ فِي غَيْرِهِ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ، وَفِي الثَّانِي عَلَى مُطْلَقِ الْوَقْتِ، وَيَحْصُلُ التَّقْيِيدُ بِالْيَوْمِ مِنْ الْإِضَافَةِ كَمَا إذَا قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ حِينَ يَقُومُ أَوْ حِينَ تَنْكَسِفُ الشَّمْسُ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ جَعَلَ التَّخْيِيرَ وَالتَّفْوِيضَ مِمَّا يَمْتَدُّ، وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ مِمَّا لَا يَمْتَدُّ مَعَ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ إنْشَاءُ الْأَمْرِ، وَحُدُوثُهُ فَهُوَ غَيْرُ مُمْتَدٍّ فِي الْكُلِّ، وَإِنْ أُرِيدَ كَوْنُهَا مُخَيَّرَةً وَمُفَوَّضَةً، وَهُوَ مُمْتَدٌّ فَكَذَا كَوْنُهَا مُطَلَّقَةً وَكَوْنُ الْعَبْدِ مُعْتَقًا مُمْتَدٌّ قُلْنَا أُرِيدَ فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وُقُوعُهُمَا لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي تَقْيِيدِ كَوْنِ الشَّخْصِ مُطَلِّقًا أَوْ مُعْتِقًا بِالزَّمَانِ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّوْقِيتَ بِالْمُدَّةِ، وَفِي التَّخْيِيرِ وَالتَّفْوِيضِ كَوْنُهَا مُخَيَّرَةً وَمُفَوَّضَةً لِأَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ يَنْقَطِعُ فَيُفِيدُ تَوْقِيتَهُ بِالْمُدَّةِ فَإِنْ قُلْت ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ، وَغَدًا دَخَلَتْ اللَّيْلَةُ قُلْت لَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ الْيَوْمَ لِمُطْلَقِ الْوَقْتِ بَلْ عَلَى أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَمْرِك بِيَدِك يَوْمَيْنِ، وَفِي مِثْلِهِ يَسْتَتْبِعُ اسْمُ الْيَوْمِ اللَّيْلَةَ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَمْرُك بِيَدِك الْيَوْمَ، وَبَعْدَ غَدٍ فَإِنَّ الْيَوْمَ الْمُنْفَرِدَ لَا يَسْتَتْبِعُ مَا بِإِزَائِهِ مِنْ اللَّيْلِ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُرَادُ بَاطِنُهَا) أَيْ مَا فِي الْحِنْطَةِ مِنْ الْأَجْزَاءِ يُقَالُ فُلَانٌ يَأْكُلُ الْحِنْطَةَ أَيْ طَعَامُهُ مِنْ أَجْزَاءِ الْحِنْطَةِ، وَأَكْلُ مَا فِي الْحِنْطَةِ يَعُمُّ أَكْلَ عَيْنِهَا، وَأَكْلُ مَا يُتَّخَذُ مِنْهَا مِنْ الْخُبْزِ وَنَحْوِهِ دُونَ السَّوِيقِ فَإِنَّهُ عِنْدَهُمَا جِنْسُ الدَّقِيقِ، وَقِيلَ يَحْنَثُ بِهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَأَمَّا حَقِيقَةُ أَكْلِ الْحِنْطَةِ فَهُوَ أَنْ يَقَعَ الْأَكْلُ عَلَى نَفْسِ الْحِنْطَةِ بِأَنْ يَضَعَهَا فِي الْفَمِ فَيَمْضُغَهَا.
(قَوْلُهُ لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ رَجَبٍ) وَقَعَ فِي عِبَارَةِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - غَيْرَ مُنَوَّنٍ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالْعَدْلِ عَنْ الرَّجَبِ لِأَنَّ الْمُرَادَ رَجَبٌ بِعَيْنِهِ أَيْ الَّذِي يَأْتِي عَقِيبَ الْيَمِينِ، وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى سِتَّةِ أَوْجُهٍ لِأَنَّ الْقَائِلَ إمَّا أَنْ لَا يَنْوِيَ شَيْئًا أَوْ يَنْوِيَ النَّذْرَ مَعَ نَفْيِ الْيَمِينِ أَوْ بِدُونِهِ أَوْ يَنْوِيَ الْيَمِينَ مَعَ نَفْيِ النَّذْرِ أَوْ بِدُونِهِ أَوْ يَنْوِيَ النَّذْرَ وَالْيَمِينَ جَمِيعًا. فَالثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ نَذْرٌ بِاتِّفَاقٍ، وَالرَّابِعُ يَمِينٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَفِي الْأَخِيرَيْنِ خِلَافٌ، وَإِلَيْهِمَا الْإِشَارَةُ فِي أَوَّلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ، وَنَوَى الْيَمِينَ أَيْ مَعَ نِيَّةِ النَّذْرِ أَوْ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لَهُ بِالنَّفْيِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute