للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حُسْنٌ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ، وَحُسْنٌ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ) لَمَّا ثَبَتَ أَنَّ الْحُسْنَ وَالْقُبْحَ يُعْرَفَانِ عَقْلًا عُلِمَ أَنَّهُمَا لَيْسَا بِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ بَلْ إنَّمَا يَحْسُنُ الْفِعْلُ أَوْ يَقْبُحُ إمَّا لِعَيْنِهِ أَوْ لِشَيْءٍ آخَرَ، ثُمَّ ذَلِكَ الشَّيْءُ حَسَنٌ لِعَيْنِهِ أَوْ قَبِيحٌ لِعَيْنِهِ قَطْعًا لِلتَّسَلْسُلِ، وَهُوَ إمَّا أَنْ يَكُونَ جُزْءَ ذَلِكَ الْفِعْلِ أَوْ خَارِجًا عَنْهُ، وَالْجُزْءُ إمَّا صَادِقٌ عَلَى الْكُلِّ كَالْعِبَادَةِ تَصْدُقُ عَلَى الصَّلَاةِ، وَالصَّلَاةُ عِبَادَةٌ مَعَ خُصُوصِيَّةٍ، فَالْعَادَةُ جُزْؤُهَا أَوْ لَمْ تَصْدُقْ كَالْأَجْزَاءِ الْخَارِجِيَّةِ كَالسُّجُودِ لَا يَصْدُقُ عَلَى الصَّلَاةِ، وَالْحَسَنُ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ يَعُمُّ الْحَسَنَ لِعَيْنِهِ وَالْحَسَنَ لِجُزْئِهِ، وَيَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْحَسَنَ بِاعْتِبَارِ الْجُزْءِ إنَّمَا يَكُونُ حَسَنًا إذَا كَانَ جَمِيعُ أَجْزَائِهِ حَسَنًا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ جُزْءٌ وَاحِدٌ مِنْهُ قَبِيحًا لِعَيْنِهِ، إذْ لَوْ كَانَ لَا يَكُونُ الْمَجْمُوعُ حَسَنًا، ثُمَّ الْخَارِجُ إمَّا أَنْ يَكُونَ صَادِقًا عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ نَحْوُ: الْجِهَادُ إعْلَاءُ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَالْجِهَادُ حَسَنٌ لِكَوْنِهِ إعْلَاءً، وَالْإِعْلَاءُ خَارِجٌ عَنْ مَفْهُومِ الْجِهَادِ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ صَادِقًا كَالْوُضُوءِ حَسَنٌ لِلصَّلَاةِ، وَالصَّلَاةُ لَا تَصْدُقُ عَلَى الْوُضُوءِ فَثَبَتَ أَنَّ الْحَسَنَ يَنْقَسِمُ إلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ، وَكَذَا الْقَبِيحُ لَكِنَّ أَمْثِلَةَ هَذَا سَتَأْتِي فِي فَصْلِ النَّهْيِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَإِنَّمَا أُطْلِقَ الْحَسَنُ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ عَلَى الْحَسَنِ لِعَيْنِهِ إمَّا اصْطِلَاحًا وَلَا مُشَاحَّةَ فِي الِاصْطِلَاحَاتِ أَوْ؛ لِأَنَّ الْحَسَنَ لِعَيْنِهِ هُوَ الْفِعْلُ الْمُطْلَقُ كَالْعِبَادَةِ

ــ

[التلويح]

وَيُوجِبُهُ بِوَاسِطَةِ تَرْتِيبِ الْمُقَدِّمَاتِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ عِنْدَهُمْ مِنْ اسْتِنَادِ بَعْضِ الْحَوَادِثِ إلَى غَيْرِ الْبَارِي تَعَالَى، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ النَّظَرَ الصَّحِيحَ هُوَ الَّذِي يُوَلِّدُ النَّتِيجَةَ، وَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَقْرَبُ، وَأَنْسَبُ بِتَفْسِيرِهِمْ التَّوْلِيدَ بِإِيجَادِ الْفَاعِلِ فِعْلًا بِتَوَسُّطِ فِعْلٍ آخَرَ.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ ذَلِكَ الشَّيْءُ) لَفْظُهُ ثُمَّ أَشَارَ أَنَّ الشَّيْءَ الَّذِي لِأَجْلِهِ يَحْسُنُ الْفِعْلُ أَوْ يَقْبُحُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ بِالْآخِرَةِ حَسَنًا لِعَيْنِهِ أَوْ قَبِيحًا لِعَيْنِهِ إذْ لَوْ تَوَقَّفَ حُسْنُ كُلِّ شَيْءٍ عَلَى حُسْنِ شَيْءٍ آخَرَ لَزِمَ التَّسَلْسُلُ بِمَعْنَى وُجُودِ أَشْيَاءَ غَيْرِ مُتَنَاهِيَةٍ نَظَرًا إلَى غَيْرِ الْأَشْيَاءِ، وَبِمَعْنَى تَرْتِيبِ أُمُورٍ غَيْرِ مُتَنَاهِيَةٍ نَظَرًا إلَى وَصْفِ الْحُسْنِ

[الْمَأْمُورُ بِهِ فِي صِفَةِ الْحُسْنِ نَوْعَانِ]

[الْحُسْنُ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ]

(قَوْلُهُ: وَيَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ) الْمُرَكَّبُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى حُسْنٍ أَوْ قُبْحٍ إمَّا أَنْ يَكُونَ حَسَنًا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ أَوْ بِبَعْضِهَا مَعَ قُبْحِ الْبَعْضِ الْآخَرِ أَوْ بِدُونِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبِيحًا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ أَوْ بِبَعْضِهَا مَعَ حُسْنِ الْبَعْضِ الْآخَرِ أَوْ بِدُونِهِ فَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خَصَّ الْحَسَنَ بِاعْتِبَارِ جُزْئِهِ بِالْقِسْمِ الْأَوَّلِ أَعْنِي مَا يَكُونُ حَسَنًا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِمَا يَشْمَلُ الْقِسْمَ الثَّالِثَ أَيْضًا أَعْنِي مَا يَكُونُ بَعْضُ أَجْزَائِهِ حَسَنًا وَبَعْضُهَا لَا حَسَنًا وَلَا قَبِيحًا فَصَارَ الْحَاصِلُ أَنَّ الْحَسَنَ بِاعْتِبَارِ جُزْئِهِ مَا لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ أَجْزَائِهِ قَبِيحًا لِعَيْنِهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِجَانِبِ الْقُبْحِ، وَالظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ أَجْزَائِهِ حَسَنًا وَبَعْضُهَا قَبِيحًا يُجْعَلُ مِنْ قِسْمِ الْقَبِيحِ تَغَلُّبًا لِجَانِبِ الْقُبْحِ وَالْحُرْمَةِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ إذَا كَانَ الشَّيْءُ حَسَنًا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ كَانَ حَسَنًا لِعَيْنِهِ، وَجَعْلُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>