مَثَلًا، وَهُوَ لَا يُوجَدُ فِي ضِمْنِ جُزْئِيَّاتِهِ إلَّا الْمَوْجُودَةِ، وَبَحْثُنَا فِي تِلْكَ الْجُزْئِيَّاتِ الْمَعْلُومِ وُجُودُهَا حِسًّا، وَهِيَ لَا تَكُونُ إلَّا حَسَنَةً لِمَعْنًى فِي نَفْسِهَا أَوْ حَسَنَةً لِغَيْرِهَا، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجُزْءِ الصَّادِقِ وَبَيْنَ الْخَارِجِ الصَّادِقِ أَنَّ مَا يَكُونُ مَفْهُومُ الْفِعْلِ مُتَوَقِّفًا عَلَيْهِ فَهُوَ الْجُزْءُ، وَمَا لَيْسَ كَذَلِكَ فَهُوَ الْخَارِجُ كَالصَّلَاةِ مَثَلًا، فَإِنَّ مَفْهُومَهَا الشَّرْعِيَّ إنَّمَا هُوَ عِبَادَةٌ مَخْصُوصَةٌ بِالْخُصُوصِيَّاتِ الْمَعْلُومَةِ فَمَفْهُومُهَا مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْعِبَادَةِ، وَأَمَّا الْجِهَادُ فَمَفْهُومُهُ الْقَتْلُ، وَالضَّرْبُ، وَالنَّهْبُ مَعَ الْكُفَّارِ، وَلَيْسَ إعْلَاءُ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى دَاخِلًا فِي هَذَا الْمَفْهُومِ بَلْ يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي الْخَارِجِ فَيَكُونُ لَازِمًا لَا جُزْءًا، وَهَذَا هُوَ الْفَرْقُ الْمَشْهُورُ بَيْنَ الذَّاتِيِّ وَالْعَرَضِيِّ، إذَا عَرَفْت هَذَا عَلِمْت بُطْلَانَ قَوْلِ مَنْ أَنْكَرَ كَوْنَ الْفِعْلِ حَسَنًا أَوْ قَبِيحًا لِذَاتِهِ بِأَنْ قَالَ: قَدْ يَخْتَلِفُ حُسْنُ الْفِعْلِ وَقُبْحُهُ بِاعْتِبَارِ الْإِضَافَةِ فَلَا يَكُونُ حَسَنًا لِذَاتِهِ أَوْ قَبِيحًا لِذَاتِهِ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ بِالْإِضَافَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى مَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ دَاخِلَةٌ فِي ذَاتِ ذَلِكَ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ مِنْ الْأَعْرَاضِ النِّسْبِيَّةِ، وَالْأَعْرَاضُ النِّسْبِيَّةُ تَتَقَوَّمُ بِالنِّسَبِ، وَالْإِضَافَاتِ، فَالْإِضَافَاتُ الْمُخْتَلِفَةُ فُصُولٌ مُقَوِّمَةٌ لَهَا فَقَوْلُنَا شُكْرُ الْمُنْعِمِ حَسَنٌ لِذَاتِهِ مَعْنَاهُ أَنَّ
ــ
[التلويح]
حَسَنًا بِاعْتِبَارِ الْجُزْءِ إنَّمَا هُوَ مُجَرَّدُ اصْطِلَاحٍ.
(قَوْلُهُ: وَكَذَا الْقَبِيحُ) يَنْقَسِمُ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبِيحًا لِذَاتِهِ أَوْ لَا، وَالثَّانِي إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبِيحًا لِجُزْئِهِ أَوْ لِأَمْرٍ خَارِجٍ عَنْهُ وَكُلٌّ مِنْ الْجُزْءِ وَالْخَارِجِ إمَّا مَحْمُولٌ أَوْ غَيْرُ مَحْمُولٍ، وَمَا سَبَقَ مِنْ أَنَّ الْحُسْنَ أَوْ الْقُبْحَ يَكُونُ لِذَاتِهِ أَوْ لِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي بَعْضِ الْأَفْعَالِ فَلَا يُنَافِي ثُبُوتَهُ فِي بَعْضِ الْأَفْعَالِ بِاعْتِبَارِ أَمْرٍ خَارِجٍ غَيْرِ مَحْمُولٍ كَالصَّلَاةِ لِلْوُضُوءِ.
(قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا أُطْلِقَ) لَمَّا ذَكَرَ أَنَّ الْحَسَنَ بِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ يَعُمُّ الْحَسَنَ لِعَيْنِهِ وَالْحَسَنَ لِجُزْئِهِ وَرَدَّ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْحَسَنِ لِجُزْئِهِ ضَرُورَةً، أَيْ: جُزْءُ الشَّيْءِ مَعْنًى كَائِنٌ فِيهِ، وَلَا يَصِحُّ فِي الْحَسَنِ لِعَيْنِهِ إذَا لَيْسَ ذَاتُ الشَّيْءِ مَعْنًى فِيهِ، فَأَجَابَ أَوَّلًا بِأَنَّهُ مُجَرَّدُ اصْطِلَاحٍ، وَكَأَنَّهُ تَغَلَّبَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ عَامَّةَ الْأَشْيَاءِ يَكُونُ حُسْنُهَا بِاعْتِبَارِ الْأَجْزَاءِ، وَثَانِيًا بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْأَفْعَالِ الْمَوْجُودَةِ الصَّادِرَةِ عَنْ فَاعِلِهَا، وَهِيَ لَا مَحَالَةَ تَكُونُ جُزْئِيَّاتٍ مُشَخِّصَةً مُرَكَّبَةً مِنْ التَّشَخُّصِ، وَمِنْ الْمَعْنَى الْكُلِّيِّ الْحَسَنِ لِذَاتِهِ كَالْعِبَادَةِ مَثَلًا، فَبِالنَّظَرِ إلَى هَذَا الْمُرَكَّبِ الِاعْتِبَارِيِّ يَكُونُ الْحُسْنُ رَاجِعًا إلَى جُزْئِهِ الَّذِي هُوَ الْمَعْنَى الْكُلِّيُّ، وَالْمَذْكُورُ فِي كُتُبِ الْقَوْمِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَسَنِ لِمَعْنًى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ يَتَّصِفُ بِالْحُسْنِ بِاعْتِبَارِ حُسْنٍ ثَبَتَ فِي ذَاتِهِ سَوَاءٌ كَانَ لِعَيْنِهِ أَوْ لِجُزْئِهِ بِخِلَافِ الْحَسَنِ لِغَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَتَّصِفُ بِحُسْنٍ ثَبَتَ فِي غَيْرِهِ، وَهَذَا قَرِيبٌ مِمَّا يُقَالُ إنَّ الدَّارَ حَسَنَةٌ فِي نَفْسِهَا أَيْ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْأُمُورِ الْخَارِجَةِ عَنْهَا.
(قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجُزْءِ) قَدْ اسْتَدَلَّ نُفَاةُ الْحُسْنِ وَالْقُبْحِ الْعَقْلِيَّيْنِ بِأَنَّهُ لَوْ حَسُنَ الْفِعْلُ أَوْ قَبُحَ لِذَاتِهِ لَمَا اخْتَلَفَ بِأَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ حَسَنًا تَارَةً وَقَبِيحًا أُخْرَى لِأَنَّ مَا بِالذَّاتِ يَدُومُ بِدَوَامِ الذَّاتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute