مُتَعَدٍّ إلَى الْأُرْزِ وَغَيْرِهِ فَلَا فَائِدَةَ لَهُ إلَّا نَفْيَ الْحُكْمِ فِي الْجَصِّ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ وَهِيَ لَا تُفِيدُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ ثَبَتَ بِعِلَلٍ شَتَّى وَإِنْ تَعَدَّى إلَى مُخْتَلَفٍ فِيهِ يُقْبَلُ عِنْدَ أَهْلِ النَّظَرِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ فَإِذَا ثَبَتَ أَحَدُهُمَا انْتَفَى الْآخَرُ لَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِصِحَّةِ أَحَدِهِمَا تَأْثِيرٌ فِي فَسَادِ الْآخَرِ.
(فَصْلٌ فِي دَفْعِ الْعِلَلِ الطَّرْدِيَّةِ) لَمَّا عُرِفَ أَنَّ الْعِلَّةَ نَوْعَانِ إمَّا عِلَّةٌ مُؤَثِّرَةٌ وَهِيَ الْمُعْتَبَرَةُ عِنْدَنَا وَإِمَّا عِلَّةٌ تَثْبُتُ عِلِّيَّتُهَا بِالدَّوَرَانِ دُونَ التَّأْثِيرِ وَهِيَ الْمُعْتَبَرَةُ عِنْدَ الْبَعْضِ وَلَيْسَتْ بِمُعْتَبَرَةٍ عِنْدَنَا وَتُسَمَّى عِلَّةً طَرْدِيَّةً فَفِي هَذَا الْفَصْلِ تُذْكَرُ الِاعْتِرَاضَاتُ الْوَارِدَةُ عَلَى الْقِيَاسِ بِالْعِلَّةِ الطَّرْدِيَّةِ
(وَهُوَ أَرْبَعَةٌ الْأَوَّلُ الْقَوْلُ بِمُوجَبِ الْعِلَّةِ وَهُوَ الْتِزَامُ مَا يَلْزَمُهُ الْمُعَلِّلُ مَعَ بَقَاءِ الْخِلَافِ وَهُوَ يُلْجِئُ الْمُعَلِّلَ إلَى الْعِلَّةِ الْمُؤَثِّرَةِ) أَيْ يَجْعَلُ الْمُعَلِّلَ مُضْطَرًّا إلَى الْقَوْلِ بِمَعْنًى مُؤَثِّرٍ يَرْفَعُ الْخِلَافَ وَلَا يَتَمَكَّنُ الْخَصْمُ مِنْ تَسْلِيمِهِ مَعَ بَقَاءِ الْخِلَافِ
(كَقَوْلِهِ: الْمَسْحُ رُكْنٌ فِي الْوُضُوءِ فَيُسَنُّ تَثْلِيثُهُ كَغَسْلِ الْوَجْهِ فَنَقُولُ يُسَنُّ عِنْدَنَا أَيْضًا لَكِنَّ الْفَرْضَ الْبَعْضُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: ٦] وَهُوَ إمَّا رُبْعٌ أَوْ أَقَلُّ فَالِاسْتِيعَابُ تَثْلِيثٌ وَزِيَادَةٌ وَإِنْ غَيَّرَ فَقَالَ يُسَنُّ تَكْرَارُهُ يُمْنَعُ ذَلِكَ فِي الْأَصْلِ بَلْ الْمَسْنُونُ فِي الرُّكْنِ التَّكْمِيلُ كَمَا فِي أَرْكَانِ
ــ
[التلويح]
وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى فَسَادِ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ لِمَعْنًى فِيهِ لَا لِصِحَّةِ الْآخَرِ بَلْ كُلٌّ مِنْ الصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ يَفْتَقِرُ إلَى مَعْنًى يُوجِبُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ عَدَمَ تَأْثِيرِ صِحَّةِ أَحَدِهِمَا فِي فَسَادِ الْآخَرِ لَا يُنَافِي فَسَادَ أَحَدِهِمَا عِنْدَ صِحَّةِ الْآخَرَ لَا يُقَالُ كُلٌّ مِنْهُمَا يَحْتَمِلُ الصِّحَّةَ وَالْفَسَادَ إذْ الْكَلَامُ فِيمَا يُثْبِتُ عِلِّيَّتَهُ ظَنًّا لَا قَطْعًا؛ لِأَنَّا نَقُولُ لَا نَعْنِي بِفَسَادِ الْعِلِّيَّةِ إلَى هَذَا وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ الظَّنُّ بِالْعِلِّيَّةِ مَا لَمْ يُرَجَّحْ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ أَحَدُهُمَا، وَلَا أَوْلَوِيَّةَ بِدُونِ التَّرْجِيحِ.
[فَصْلٌ فِي دَفْعِ الْعِلَلِ الطَّرْدِيَّةِ]
[الِاعْتِرَاضَاتُ الْوَارِدَةُ عَلَى الْقِيَاسِ بِالْعِلَّةِ الطَّرْدِيَّةِ]
(قَوْلُهُ: فَصْلٌ) فِي الِاعْتِرَاضَاتِ الَّتِي تُورَدُ عَلَى الْقِيَاسَاتِ الَّتِي لَا يَظْهَرُ تَأْثِيرُ عِلَلِهَا بَلْ يُكْتَفَى فِيهَا بِمُجَرَّدِ دَوْرَانِ الْحُكْمِ مَعَ الْعِلَّةِ إمَّا وُجُودًا فَقَطْ وَإِمَّا وُجُودًا وَعَدَمًا وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَادَ بِالطَّرْدِيَّةِ هَاهُنَا مَا لَيْسَتْ بِمُؤَثِّرَةٍ لِتَعُمَّ الْمُنَاسِبَ وَالْمُلَائِمَ فَيَصِحُّ الْحَصْرُ فِي الْمُؤَثِّرَةِ وَالطَّرْدِيَّةِ وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ إيرَادِ الْفَصْلَيْنِ اخْتِصَاصَ كُلٍّ مِنْ الْفَصْلَيْنِ بِنَوْعٍ مِنْ الْعِلَلِ فَإِنَّ الْكَلَامَ صَرِيحٌ فِي اشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمُمَانَعَةِ وَالْمُنَاقَضَةِ وَفَسَادِ الْوَضْعِ، وَلَا يَخْفَى جَرَيَانُ الْمُعَارَضَةِ فِي الطَّرْدِيَّةِ بَلْ هِيَ أَظْهَرُ وَأَسْهَلُ نَعَمْ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُوهِمُ اخْتِصَاصَ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ بِالْعِلَلِ الطَّرْدِيَّةِ حَيْثُ قَالَ وَهُوَ يُلْجِئُ الْمُعَلِّلَ إلَى الْعِلَّةِ الْمُؤَثِّرَةِ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ حَاصِلَ الْقَوْلِ بِالْمُوجِبِ دَعْوَى الْمُعْتَرِضِ أَنَّ الْمُعَلِّلَ نَصَبَ الدَّلِيلَ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ وَهَذَا مِمَّا لَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِالطَّرْدِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ الْقَوْلُ بِمُوجِبِ الْعِلَّةِ الْتِزَامُ السَّائِلِ مَا يَلْزَمُهُ الْمُعَلِّلُ بِتَعْلِيلِهِ مَعَ بَقَاءِ النِّزَاعِ فِي الْحُكْمِ الْمَقْصُودِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ هُوَ تَسْلِيمُ مَا اتَّخَذَهُ الْمُسْتَدِلُّ حُكْمًا لِدَلِيلِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُ الْحُكْمِ