للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هُنَا فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَكْلِ كُلِّ وَاحِدٍ بَلْ أَكْلُ وَاحِدٍ لَكِنْ يَتَخَيَّرُ فِيهِ الْمُخَاطَبُ، وَمِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ لِلتَّخْيِيرِ فِي الْعُرْفِ.

(وَمِنْهَا مَنْ، وَهُوَ يَقَعُ خَاصًّا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} [يونس: ٤٢] {وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ} [يونس: ٤٣] فَإِنَّ الْمُرَادَ بَعْضُ مَخْصُوصٍ مِنْ الْمُنَافِقِينَ.

(وَيَقَعُ عَامًّا فِي الْعُقَلَاءِ إذَا كَانَ لِلشَّرْطِ نَحْوُ «مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ» فَإِنْ قَالَ مَنْ شَاءَ مِنْ عَبِيدِي عِتْقَهُ فَهُوَ حُرٌّ فَشَاءُوا عَتَقُوا، وَفِيمَنْ شِئْت مِنْ عَبِيدِي عِتْقَهُ فَاعْتِقْهُ فَشَاءَ الْكُلَّ يُعْتَقُ الْكُلُّ عِنْدَهُمَا عَمَلًا بِكَلِمَةِ الْعُمُومِ، وَمَنْ لِلْبَيَانِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَعْتِقُهُمْ إلَّا وَاحِدًا) لِأَنَّ مَنْ

ــ

[التلويح]

الْخِيَارُ إلَى الْمَوْلَى كَمَا فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ، وَكَمَا إذَا قَالَ أَعْتَقْت وَاحِدًا مِنْ عَبِيدِي فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لَوْ لَمْ يَثْبُت عِتْقُ كُلِّ وَاحِدٍ، وَلَيْسَ الْبَعْضُ أَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ يَلْزَمُ بُطْلَانُ الْكَلَامِ بِالْكُلِّيَّةِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ لِإِعْتَاقِ كُلِّ وَاحِدٍ، وَيَكُونَ خِيَارُ التَّعْيِينِ إلَى الْمَوْلَى فَإِنْ قُلْت كَوْنُ أَيٍّ لِلْوَاحِدِ إنَّمَا يَصِحُّ فِي الْمُضَافِ إلَى الْمَعْرِفَةِ مِثْلُ أَيُّ الرِّجَالِ، وَأَيُّ الرَّجُلَيْنِ.

وَأَمَّا إذَا أُضِيفَ إلَى النَّكِرَةِ فَقَدْ يَكُونُ لِلِاثْنَيْنِ مِثْلُ أَيُّ رَجُلَيْنِ ضَرَبَاك أَوْ الْجَمْعِ مِثْلُ أَيُّ رِجَالٍ ضَرَبُوك قُلْت مُرَادُهُ الْمُضَافُ إلَى الْمَعْرِفَةِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أَيِّ عَبِيدِي ضَرَبَك أَوْ ضَرَبْته

[مِنْ أَلْفَاظِ الْعَامِّ مَنْ وَهُوَ يَقَعُ خَاصًّا وَيَقَعُ عَامًّا فِي الْعُقَلَاءِ إذَا كَانَ لِلشَّرْطِ]

(قَوْلُهُ: وَمِنْهَا مَنْ) ، وَتَكُونُ شَرْطِيَّةٌ، وَاسْتِفْهَامِيَّة، وَمَوْصُولَةٌ، وَمَوْصُوفَةٌ، وَالْأُولَيَانِ تَعُمَّانِ ذَوِي الْعُقُولِ لِأَنَّ مَعْنَى مَنْ جَاءَنِي فَلَهُ دِرْهَمٌ إنْ جَاءَنِي زَيْدٌ، وَإِنْ جَاءَنِي عَمْرٌو، وَهَكَذَا إلَى الْأَفْرَادِ، وَمَعْنَى مَنْ فِي الدَّارِ أَزَيْدٌ فِي الدَّارِ أَمْ عَمْرٌو إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَعَدَلَ فِي الصُّورَتَيْنِ إلَى لَفْظِ مَنْ قَطْعًا لِلتَّطْوِيلِ الْمُتَعَسِّرِ، وَالتَّفْصِيلِ الْمُتَعَذِّرِ.

وَأَمَّا الْأُخْرَيَانِ فَقَدْ يَكُونَانِ لِلْعُمُومِ، وَشُمُولِ ذَوِي الْعُقُولِ، وَقَدْ يَكُونَانِ لِلْخُصُوصِ، وَإِرَادَةِ الْبَعْضِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} [يونس: ٤٢] {وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ} [يونس: ٤٣] بِجَمْعِ الضَّمِيرِ، وَإِفْرَادِهِ نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى، وَاللَّفْظِ فَإِنَّهُ، وَإِنْ كَانَ خَاصًّا لِلْبَعْضِ إلَّا أَنَّ الْبَعْضَ مُتَعَدِّدٌ لَا مَحَالَةَ فَجَمْعُ الضَّمِيرِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْعُمُومِ إلَّا عِنْدَ مَا يَكْتَفِي فِي الْعُمُومِ بِانْتِظَامِ جَمْعٍ مِنْ الْمُسَمَّيَاتِ.

(قَوْلُهُ: يُعْتِقُهُمْ إلَّا وَاحِدًا) هُوَ آخِرُهُمْ إنْ وَقَعَ الْإِعْتَاقُ عَلَى التَّرْتِيبِ، وَإِلَّا فَالْخِيَارُ إلَى الْمَوْلَى، وَذَلِكَ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَ مَنْ فِي التَّبْعِيضِ هُوَ الشَّائِعُ الْكَثِيرُ حَيْثُ يَكُونُ مَجْرُورُهَا ذَا أَبْعَاضٍ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ مَا لَمْ تُوجَدْ قَرِينَةٌ تُؤَكِّدُ الْعُمُومَ، وَتُرَجِّحُ الْبَيَانَ كَمَا فِي مَنْ شَاءَ مِنْ عَبِيدِي عِتْقَهُ فَهُوَ حُرٌّ بِقَرِينَةِ إضَافَةِ الْمَشِيئَةِ إلَى مَا هُوَ مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ} [النور: ٦٢] ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} [الأحزاب: ٥١] بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ {وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ} [الممتحنة: ١٢] وقَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ} [الأحزاب: ٥١] فَإِنَّهَا تُرَجِّحُ الْعُمُومَ، وَكَوْنُ مَنْ لِلْبَيَانِ فَصَارَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ شَاءَ مِنْ عَبِيدِي، وَمَنْ شِئْت مِنْ عَبِيدِي أَنَّ فِي الْأَوَّلِ قَرِينَةً دَالَّةً عَلَى أَنَّ مَنْ لِلْبَيَانِ دُونَ التَّبْعِيضِ بِخِلَافِ الثَّانِي، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ الْعُمُومَ هَاهُنَا الْعُمُومُ الصِّفَةُ، وَالْمَشِيئَةُ صِفَةُ الْفَاعِلِ دُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>