للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْكُفْرِ، وَالرِّقِّ؛ لِأَنَّ الْحِرْمَانَ بِهِمَا لَيْسَ بِطَرِيقِ الْجَزَاءِ بَلْ لِعَدَمِ سَبَبِهِ فِي الْكُفْرِ، وَعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ فِي الرِّقِّ.

(وَمِنْهَا الْعَتَهُ) وَهُوَ اخْتِلَالٌ فِي الْعَقْلِ بِحَيْثُ يَخْتَلِطُ كَلَامُهُ فَيُشْبِهُ مَرَّةً كَلَامَ الْعُقَلَاءِ، وَمَرَّةً كَلَامَ الْمَجَانِينِ (وَحُكْمُهُ حُكْمُ الصَّبِيِّ مَعَ الْعَقْلِ فِيمَا ذَكَرْنَا إلَّا أَنَّ امْرَأَةَ الْمَعْتُوهِ إذَا أَسْلَمَتْ لَا يُؤَخَّرُ عَرْضُ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ كَمَا لَا يُؤَخَّرُ عَرْضُهُ عَلَى وَلِيِّ الْمَجْنُونِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالْفَرْقُ أَنَّهُمَا) أَيْ: الْجُنُونَ وَالْعَتَهَ (غَيْرُ مُقَدَّرَيْنِ وَالصِّبَا مُقَدَّرٌ) .

(وَمِنْهَا النِّسْيَانُ وَهُوَ لَا يُنَافِي الْوُجُوبَ لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِ الشَّرْعِ يَكُونُ عُذْرًا فِي حَقِّهِ) أَيْ: فِي حَقِّ صَاحِبِ الشَّرْعِ (فِيمَا يَقَعُ فِيهِ غَالِبًا لَا فِي حَقِّ الْعِبَادِ وَهُوَ إمَّا أَنْ يَقَعَ فِيهِ الْمَرْءُ بِتَقْصِيرِهِ كَالْأَكْلِ فِي الصَّلَاةِ مَثَلًا فَإِنَّ حَالَهَا مُذَكِّرَةٌ، وَإِمَّا لَا بِتَقْصِيرِهِ إمَّا بِأَنْ يَدْعُوَ إلَيْهِ الطَّبْعُ كَالْأَكْلِ فِي الصَّوْمِ أَوْ بِمُجَرَّدِ أَنَّهُ مَرْكُوز فِي الْإِنْسَانِ كَمَا هُوَ فِي تَسْمِيَةِ الذَّبِيحَةِ، وَالْأَوَّلُ لَيْسَ بِعُذْرٍ بِخِلَافِ الْأَخِيرَيْنِ فَسَلَامُ النَّاسِي يَكُونُ عُذْرًا؛ لِأَنَّهُ غَالِبُ الْوُجُودِ) .

(وَمِنْهَا النَّوْمُ، وَهُوَ لَمَّا كَانَ عَجْزًا عَنْ الْإِدْرَاكَاتِ وَالْحَرَكَاتِ الْإِرَادِيَّةِ أَوْجَبَ تَأْخِيرَ الْخِطَابِ لَا الْوُجُوبِ) أَيْ: نَفْسَ الْوُجُوبِ (لِاحْتِمَالِ الْأَدَاءِ بَعْدَهُ بِلَا حَرَجٍ لِعَدَمِ امْتِدَادِهِ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ» الْحَدِيثَ، وَأَبْطَلَ عِبَارَاتِهِ) أَيْ: أَبْطَلَ النَّوْمُ عِبَارَاتِ النَّائِمِ وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ أَوْجَبَ تَأْخِيرَ الْخِطَابِ (لِعَدَمِ الِاخْتِيَارِ فَإِذَا قَرَأَ فِي صَلَاتِهِ نَائِمًا لَا تَصِحُّ الْقِرَاءَةُ، وَإِذَا تَكَلَّمَ لَا تَفْسُدُ، وَإِذَا قَهْقَهَ لَا يَبْطُلُ الْوُضُوءُ وَلَا الصَّلَاةُ) .

(وَمِنْهَا الْإِغْمَاءُ) وَهُوَ تَعَطُّلُ الْقُوَى الْمُدْرِكَةِ، وَالْمُحَرِّكَةِ حَرَكَةً إرَادِيَّةً بِسَبَبِ مَرَضٍ يَعْرِضُ لِلدِّمَاغِ أَوْ الْقَلْبِ (وَهُوَ ضَرْبٌ مِنْ الْمَرَضِ) حَتَّى لَمْ يُعْصَمْ مِنْهُ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَهُوَ فَوْقَ النَّوْمِ فِيمَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ النَّوْمَ حَالَةٌ طَبِيعِيَّةٌ يَتَعَطَّلُ مَعَهَا الْقُوَى الْمُدْرِكَةُ بِسَبَبِ تَرَقِّي الْبُخَارَاتِ إلَى الدِّمَاغِ، وَلَمَّا كَانَ النَّوْمُ حَالَةً طَبِيعِيَّةً كَثِيرَةَ الْوُقُوعِ، وَسَبَبُهُ شَيْءٌ لَطِيفٌ سَرِيعُ الزَّوَالِ وَالْإِغْمَاءُ عَلَى خِلَافِهِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأُمُورِ كَانَ الْإِغْمَاءُ فَوْقَ النَّوْمِ أَلَا تَرَى

ــ

[التلويح]

وَالصَّلَاةَ جَمِيعًا أَمَّا الْوُضُوءُ فَبِالنَّصِّ الْغَيْرِ الْفَارِقِ بَيْنَ النَّوْمِ، وَالْيَقِظَةِ، وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَلِأَنَّ النَّائِمَ فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَيْقِظِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تُفْسِدُ الْوُضُوءَ دُونَ الصَّلَاةِ حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ، وَيَبْنِيَ عَلَى صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّ فَسَادَ الصَّلَاةِ بِالْقَهْقَهَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْكَلَامِ، وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِزَوَالِ الِاخْتِيَارِ فِي النَّوْمِ بِخِلَافِ الْحَدَثِ فَإِنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الِاخْتِيَارِ، وَقِيلَ: عَلَى الْعَكْسِ، وَلَمَّا كَانَ فِي الْقَهْقَهَةِ مِنْ مَعْنَى الْكَلَامِ حَتَّى كَأَنَّهَا مِنْ جِنْسِ الْعِبَارَاتِ صَحَّ تَفْرِيعُ مَسْأَلَةِ الْقَهْقَهَةِ عَلَى إبْطَالِ النَّوْمِ عِبَارَاتُ النَّائِمِ

[الْإِغْمَاءُ]

. (قَوْلُهُ: وَمِنْهَا الْإِغْمَاءُ) اعْلَمْ أَنَّهُ يَنْبَعِثُ عَنْ الْقَلْبِ بُخَارٌ لَطِيفٌ يَتَكَوَّنُ مِنْ أَلْطَفِ أَجْزَاءِ الْأَغْذِيَةِ يُسَمَّى رُوحًا حَيَوَانِيًّا، وَقَدْ أُفِيضَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>