لِلْوُجُوبِ) ، وَهَذَا بَحْثٌ دَقِيقٌ مَا مَسَّهُ إلَّا خَاطِرِي (هَذَا إذَا اُسْتُعْمِلَ وَأُرِيدَ الْإِبَاحَةُ أَوْ النَّدْبُ مَا إذَا اُسْتُعْمِلَ فِي الْوُجُوبِ لَكِنْ عَدَمُ الْوُجُوبِ بِالنَّسْخِ حَتَّى يَبْقَى النَّدْبُ أَوْ الْإِبَاحَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَلَا يَكُونُ مَجَازًا؛ لِأَنَّ هَذِهِ دَلَالَةُ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ. وَالْمَجَازُ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي غَيْرِ مَا وُضِعَ لَهُ، وَلَمْ يُوجَدْ)
أَيْ هَذَا الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرْنَا، وَهُوَ أَنَّ دَلَالَةَ الْأَمْرِ عَلَى الْإِبَاحَةِ بِطَرِيقِ إطْلَاقِ لَفْظِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ أَمْ بِطَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ إنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ إذَا اُسْتُعْمِلَ الْأَمْرُ، وَأُرِيدَ بِهِ النَّدْبُ أَوْ الْإِبَاحَةُ أَمَّا إذَا اُسْتُعْمِلَ الْأَمْرُ، وَأُرِيدَ بِهِ الْوُجُوبُ، ثُمَّ نُسِخَ الْوُجُوبُ، وَبَقِيَ النَّدْبُ أَوْ الْإِبَاحَةُ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَالْأَمْرُ هَلْ يَكُونُ مَجَازًا أَمْ لَا فَأَقُولُ لَا يَكُونُ
ــ
[التلويح]
وَيُعْلَمُ كَوْنُهُ إنْسَانًا بِالْقَرِينَةِ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إطْلَاقُ لَفْظِ الْإِنْسَانِ عَلَى الْفَرَسِ بِجَامِعِ كَوْنِهِ حَيَوَانًا أَوْ مَاشِيًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ بَلْ قَدْ يُطْلَقُ عَلَى مُطْلَقِ الْحَيَوَانِ مِنْ غَيْرِ دَلَالَةٍ عَلَى خُصُوصِهِ، وَبِالْجُمْلَةِ لَا يَخْفَى عَلَى الْمُتَأَمِّلِ الْمُنْصِفِ الْفَرْقُ بَيْنَ صِيغَةِ افْعَلْ، وَلَا تَفْعَلْ عِنْدَ قَصْدِ الْإِبَاحَةِ بِأَنَّ مَدْلُولَ الْأَوَّلِ جَوَازُ الْفِعْلِ، وَمَدْلُولَ الثَّانِي جَوَازُ التَّرْكِ لَا أَنَّ مَدْلُولَ كُلٍّ مِنْهُمَا جَوَازُ الْفِعْلِ مَعَ جَوَازِ التَّرْكِ فَإِنْ قُلْت فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِنَا: هَذَا الْأَمْرُ لِلنَّدْبِ، وَقَوْلِنَا هُوَ لِلْإِبَاحَةِ، إذْ الْمُرَادُ أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي جَوَازِ الْفِعْلِ قُلْت: الْمُرَادُ بِكَوْنِهِ لِلنَّدْبِ أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ فِي جَوَازِ الْفِعْلِ مَعَ قَرِينَةٍ دَالَّةٍ عَلَى أَوْلَوِيَّةِ الْفِعْلِ، وَالْمُرَادُ بِكَوْنِهِ لِلْإِبَاحَةِ أَنَّهُ خَالٍ عَنْ ذَلِكَ كَمَا إذَا قُلْنَا يُرْمَى الْحَيَوَانُ أَوْ يَطِيرُ حَيَوَانٌ فَإِنَّ مَدْلُولَ اللَّفْظِ وَاحِدٌ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْإِنْسَانِ، وَالثَّانِي فِي الطَّيْرِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْبَحْثَ الدَّقِيقَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّحْقِيقِ.
(قَوْلُهُ هَذَا إذَا اُسْتُعْمِلَ) يَعْنِي أَنَّ الْوُجُوبَ هُوَ عَدَمُ الْحَرَجِ فِي الْفِعْلِ مَعَ الْحَرَجِ فِي التَّرْكِ فَارْتِفَاعُهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِارْتِفَاعِ الْجُزْأَيْنِ جَمِيعًا، وَأَنْ يَكُونَ بِارْتِفَاعِ أَحَدِهِمَا فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْإِبَاحَةِ، وَبَقَاءِ الْجَوَازِ الثَّابِتِ فِي ضِمْنِ الْوُجُوبِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَدُلُّ؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الْوُجُوبِ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْفِعْلِ، وَامْتِنَاعِ التَّرْكِ، وَدَلِيلَ النَّسْخِ لَا يُنَافِي الْجَوَازَ لِجَوَازِ أَنْ يَرْتَفِعَ الْمُرَكَّبُ بِارْتِفَاعِ أَحَدِ جُزْأَيْهِ فَبَقِيَ دَلِيلُ الْجَوَازِ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ هَذَا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَأَمَّا عِنْدَ قِيَامِ الدَّلِيلِ فَلَا نِزَاعَ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ جَوَازَ الْوَاجِبِ لَا يَرْتَفِعُ بِنَسْخِ الْوُجُوبِ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى قِيَامِ الْمُحَرَّمِ، وَدَلَالَةَ أَمْرِ الْوُجُوبِ عَلَى جَوَازِ الْفِعْلِ دَلَالَةَ الْحَقِيقَةِ عَلَى مَدْلُولِهَا التَّضَمُّنِيِّ لَا دَلَالَةَ الْمَجَازِ عَلَى مَدْلُولِهِ الْمَجَازِيِّ فَعَلَى تَقْدِيرِ نَسْخِ الْوُجُوبِ، وَبَقَاءِ الْجَوَازِ لَا يَصِيرُ اللَّفْظُ مَجَازًا أَوْ حَقِيقَةً قَاصِرَةً عَلَى اخْتِلَافِ الرَّأْيَيْنِ حَتَّى يَلْزَمَ انْقِلَابُ اللَّفْظِ عَنْ الْحَقِيقَةِ إلَى الْمَجَازِ فِي إطْلَاقٍ وَاحِدٍ
[فَصْلٌ الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ عِنْدَ الْبَعْضِ يُوجِبُ الْعُمُومَ وَالتَّكْرَارَ]
(قَوْلُهُ فَصْلٌ) عُمُومُ الْفِعْلِ شُمُولُهُ أَفْرَادَهُ، وَتَكْرَارُهُ وُقُوعُهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَذَلِكَ بِإِيقَاعِ أَفْعَالٍ مُتَمَاثِلَةٍ فِي أَوْقَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ مُطْلَقًا يَجِبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute