للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَجَازًا؛ لِأَنَّ الْمَجَازَ لَفْظٌ أُرِيدَ بِهِ غَيْرُ مَا وُضِعَ لَهُ، وَلَمْ يُوجَدْ؛ لِأَنَّهُ أُرِيدَ بِالْأَمْرِ الْوُجُوبُ بَلْ يَكُونُ دَلَالَةَ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ، وَالدَّلَالَةُ لَا تَكُونُ مَجَازًا فَإِنَّكَ إذَا أَطْلَقْتَ الْإِنْسَانَ، وَأَرَدْت بِهِ الْحَيَوَانَ النَّاطِقَ فَإِنَّ اللَّفْظَ يَدُلُّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَجْزَاءِ، وَلَا مَجَازَ هُنَا بَلْ إنَّمَا يَكُونُ مَجَازًا إذَا أَطْلَقْتَ الْإِنْسَانَ، وَأَرَدْتَ بِهِ الْحَيَوَانَ فَقَطْ أَوْ النَّاطِقَ فَقَطْ، وَإِنَّمَا قُلْنَا عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ عَلَى مَذْهَبِنَا إذَا نُسِخَ الْوُجُوبُ لَا تَبْقَى الْإِبَاحَةُ الَّتِي تَثْبُتُ فِي ضِمْنِ الْوُجُوبِ كَمَا أَنَّ قَطْعَ الثَّوْبِ كَانَ وَاجِبًا بِالْأَمْرِ إذَا أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ، ثُمَّ نُسِخَ الْوُجُوبُ فَإِنَّهُ لَمْ يَبْقَ الْقَطْعُ مُسْتَحَبًّا، وَلَا مُبَاحًا.

(فَصْلٌ: الْأَمْرُ الْمُطْلَقُ عِنْدَ الْبَعْضِ يُوجِبُ الْعُمُومَ، وَالتَّكْرَارَ؛ لِأَنَّ " اضْرِبْ " مُخْتَصَرٌ مِنْ أَطْلَبُ مِنْكَ الضَّرْبَ، وَالضَّرْبُ اسْمُ جِنْسٍ يُفِيدُ الْعُمُومَ، وَلِسُؤَالِ السَّائِلِ فِي الْحَجِّ

ــ

[التلويح]

فِيهِ الْمُدَاوَمَةُ، وَإِنْ كَانَ مُوَقَّتًا يَجِبُ إيقَاعُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُدَّةَ الْعُمُرِ مِثْلُ صَلُّوا الْفَجْرَ يَجِبُ الْعَوْدُ إلَى الصَّلَاةِ فِي كُلِّ فَجْرٍ فَيَتَلَازَمَانِ فِي مِثْلِ صَلُّوا، وَصُومُوا لِامْتِنَاعِ إيقَاعِ الْأَفْرَادِ فِي زَمَانٍ، وَيَفْتَرِقَانِ فِي مِثْلِ طَلِّقِي نَفْسَك لِجَوَازِ أَنْ يَقْصِدَ الْعُمُومَ دُونَ التَّكْرَارِ، وَعَامَّةُ أَوَامِرِ الشَّرْعِ مِمَّا يَسْتَلْزِمُ فِيهِ الْعُمُومُ التَّكْرَارَ فَلِذَا يَقْتَصِرُ فِي تَحْرِيرِ الْمَبْحَثِ عَلَى ذِكْرِ التَّكْرَارِ، وَقَدْ يُذْكَرُ الْعُمُومُ أَيْضًا نَظَرًا إلَى تَغَايُرِ الْمَفْهُومَيْنِ، وَصِحَّةِ افْتِرَاقِهِمَا فِي الْجُمْلَةِ، ثُمَّ لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْأَمْرَ الْمُقَيَّدَ بِقَرِينَةِ الْعُمُومِ، وَالتَّكْرَارِ أَوْ الْخُصُوصِ، وَالْمَرَّةِ يُفِيدُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ: الْأَوَّلُ أَنَّهُ يُوجِبُ الْعُمُومَ فِي الْأَفْرَادِ، وَالتَّكْرَارَ فِي الزَّمَانِ، أَمَّا الْعُمُومُ فَلِدَلَالَتِهِ عَلَى مَصْدَرٍ مُعَرَّفٍ بِاللَّامِ؛ لِأَنَّ اضْرِبْ مُخْتَصَرٌ مِنْ أَطْلُبُ مِنْكَ الضَّرْبَ عَلَى قَصْدِ إنْشَاءِ الطَّلَبِ دُونَ الْإِخْبَارِ عَنْهُ، وَسَتَعْرِفُ جَوَابَهُ، وَأَمَّا التَّكْرَارُ، فَلِأَنَّ الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ فَهِمَ التَّكْرَارَ مِنْ الْأَمْرِ بِالْحَجِّ حِينَ سَأَلَ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ لَا يُقَالُ: لَوْ فَهِمَ لَمَا سَأَلَ؛ لِأَنَّا نَقُولُ عَلِمَ أَنْ لَا حَرَجَ فِي الدِّينِ، وَأَنَّ فِي حَمْلِ الْأَمْرِ بِالْحَجِّ عَلَى مُوجِبِهِ مِنْ التَّكْرَارِ حَرَجًا عَظِيمًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ فَسَأَلَ.

وَجَوَابُهُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ فَهِمَ التَّكْرَارَ، بَلْ إنَّمَا سَأَلَ لِاعْتِبَارِهِ الْحَجَّ بِسَائِرِ الْعِبَادَاتِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَالزَّكَاةِ حَيْثُ تَكَرَّرَتْ بِتَكَرُّرِ الْأَوْقَاتِ، وَإِنَّمَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ رَأَى الْحَجَّ مُتَعَلِّقًا بِالْوَقْتِ، وَهُوَ مُتَكَرِّرٌ، وَبِالسَّبَبِ أَعْنِي الْبَيْتَ، وَهُوَ لَيْسَ بِمُتَكَرِّرٍ، وَفِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ أَنَّ السَّائِلَ هُوَ سُرَاقَةُ قَالَ فِي حَجَّةِ الْوَادِعِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْأَمْرِ، وَأَمَّا حَدِيثُ الْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ فَهُوَ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ «النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا فَقَالَ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>