للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ) .

سَأَلَ أَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ فِي الْحَجِّ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ فَهِمَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْحَجِّ يُوجِبُ التَّكْرَارَ (قُلْنَا اعْتَبَرَهُ بِسَائِرِ الْعِبَادَاتِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَحْتَمِلُهُ؛ لِمَا قُلْنَا غَيْرَ أَنَّ الْمَصْدَرَ نَكِرَةٌ فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ فَيَخُصُّ عَلَى احْتِمَالِ الْعُمُومِ، وَعِنْدَ بَعْضِ عُلَمَائِنَا لَا يَحْتَمِلُ التَّكْرَارَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ أَوْ مَخْصُوصًا بِوَصْفٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: ٦] {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: ٧٨] قُلْنَا لُزُومٌ لِتَجَدُّدِ السَّبَبِ لَا لِمُطْلَقِ الْأَمْرِ، وَعِنْدَ عَامَّةِ عُلَمَائِنَا لَا يَحْتَمِلُهُمَا أَصْلًا؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْمَصْدَرِ فَرْدٌ إنَّمَا يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ الْحَقِيقِيِّ، وَهُوَ مُتَيَقَّنٌ أَوْ مَجْمُوعُ الْأَفْرَادِ؛ لِأَنَّهُ وَاحِدٌ مِنْ حَيْثُ الْمَجْمُوعُ، وَذَا مُحْتَمَلٌ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالنِّيَّةِ عَلَى الْعَدَدِ الْمَحْضِ) أَيْ لَا يَقَعُ عَلَى الْعَدَدِ الْمَحْضِ (فَفِي طَلِّقِي نَفْسَكِ يُوجِبُ الثَّلَاثَ عَلَى الْأَوَّلِ، وَيَحْتَمِلُ الِاثْنَيْنِ، وَالثَّلَاثَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَعِنْدَنَا يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ، وَيَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ لَا الِاثْنَيْنِ) ؛ لِأَنَّ الثَّلَاثَ مَجْمُوعُ أَفْرَادِ الطَّلَاقِ فَيَكُونُ وَاحِدًا اعْتِبَارِيًّا، وَلَا يَصِحُّ نِيَّةُ الِاثْنَيْنِ؛ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ عَدَدٌ مَحْضٌ، وَلَا دَلَالَةَ لِاسْمِ الْفَرْدِ عَلَى الْعَدَدِ فَذَكَرُوا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ

ــ

[التلويح]

ثَلَاثًا فَقَالَ: لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ» ، وَالْمَعْنَى لَوْ قُلْت نَعَمْ لَتَقَرَّرَ الْوُجُوبُ كُلَّ عَامٍ عَلَى مَا هُوَ الْمُسْتَفَادُ مِنْ الْأَمْرِ، قُلْنَا: لَا بَلْ مَعْنَاهُ لَصَارَ الْوَقْتُ سَبَبًا؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كَانَ صَاحِبَ الشَّرْعِ، وَإِلَيْهِ نَصْبُ الشَّرَائِعِ.

الثَّانِي مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْعُمُومَ، وَالتَّكْرَارَ، وَلَكِنْ يَحْتَمِلُهُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لِطَلَبِ الْفِعْلِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ مَرَّةً، وَمُتَكَرِّرًا، وَلِهَذَا يَتَقَيَّدُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا مِثْلُ اضْرِبْهُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا مَرَّةً أَوْ مَرَّاتٍ، وَذَلِكَ لِمَا مَرَّ مِنْ سُؤَالِ الْأَقْرَعِ، وَمِنْ كَوْنِهِ مُخْتَصَرًا مِنْ أَطْلُبُ مِنْك ضَرْبًا أَوْ أَفْعَلُ ضَرْبًا، وَالنَّكِرَةُ فِي الْإِثْبَاتِ تَخُصُّ لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَدَّرَ الْمَصْدَرُ مَعْرِفَةً بِدَلَالَةِ الْقَرِينَةِ فَيُفِيدُ الْعُمُومَ، وَوَحَّدَ الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ يَحْتَمِلُهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعُمُومِ، وَالتَّكْرَارِ وَاحِدٌ.

الثَّالِثُ مَذْهَبُ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّكْرَارَ إلَّا إذَا كَانَ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: ٦] أَوْ مُقَيَّدًا بِثُبُوتِ وَصْفٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: ٧٨] قَيَّدَ الْأَمْرَ بِالصَّلَاةِ بِتَحَقُّقِ وَصْفِ دُلُوكِ الشَّمْسِ، وَجَوَابُهُ أَنَّ التَّكْرَارَ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْأَوَامِرِ إنَّمَا يَلْزَمُ مِنْ تَجَدُّدِ السَّبَبِ الْمُقْتَضِي لِتَجَدُّدِ الْمُسَبِّبِ لَا مِنْ مُطْلَقِ الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ أَوْ الْمُعَلَّقِ بِشَرْطٍ أَوْ الْمُقَيَّدِ بِوَصْفٍ، وَلَا يَلْزَمُ تَكَرُّرُ الْمَشْرُوطِ بِتَكَرُّرِ الشَّرْطِ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الشَّرْطِ لَا يَقْتَضِي وُجُودَ الْمَشْرُوطِ بِخِلَافِ السَّبَبِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي وُجُودَ الْمُسَبَّبِ فَإِنْ قُلْت: الْكَلَامُ فِي الْأَمْرِ الْمُطْلَقِ، وَالْمُعَلَّقِ بِشَرْطٍ أَوْ وَصْفٍ مُقَيَّدٍ فَلَا يَكُونُ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، وَحِينَئِذٍ لَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ لَا لِمُطْلَقِ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ لَمْ يَدَّعِ أَنَّهُ لِمُطْلَقِ الْأَمْرِ بَلْ لِلْمُقَيَّدِ بِشَرْطٍ أَوْ وَصْفٍ قُلْت: قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ الْمُطْلَقِ هُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>