للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيَانًا لِثَمَرَةِ الِاخْتِلَافِ وَلَمْ يَذْكُرُوا ثَمَرَةَ الِاخْتِلَافِ بَيْنَنَا، وَبَيْنَ مَنْ قَالَ لَا يَحْتَمِلُ التَّكْرَارَ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ فَأَوْرَدْت هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، وَهِيَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَطَلِّقِي نَفْسَكِ فَعَلَى ذَلِكَ الْمَذْهَبِ يَنْبَغِي؛ أَنْ يَثْبُتَ التَّكْرَارُ وَإِنَّمَا قُلْتُ يَنْبَغِي لِأَنَّهُ لَا رِوَايَةَ عَنْ هَؤُلَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَكِنْ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمْ، وَهُوَ أَنَّهُ يُوجِبُ التَّكْرَارَ إذَا كَانَ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ يَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ التَّكْرَارُ عِنْدَهُمْ.

(وَفِي إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَطَلِّقِي نَفْسَكِ يَنْبَغِي

ــ

[التلويح]

الْمُجَرَّدُ عَنْ قَرِينَةِ التَّكْرَارِ أَوْ الْمَرَّةِ سَوَاءٌ كَانَ مُوَقَّتًا بِوَقْتٍ أَوْ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ أَوْ مَخْصُوصًا بِوَصْفٍ أَوْ مُجَرَّدًا عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ لَا إشْكَالَ، وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ أَوْ الْوَصْفِ يَحْتَمِلُ التَّكْرَارَ، وَالْحَقُّ أَنَّهُ يُوجِبُهُ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ حَتَّى لَا يَنْتَفِي إلَّا بِدَلِيلٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي مَسْأَلَةِ: إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَطَلِّقِي نَفْسَك، وَلِهَذَا عَبَّرَ فِي التَّقْوِيمِ عَنْ هَذَا الْمَذْهَبِ بِأَنَّ الْمُطْلَقَ لَا يَقْتَضِي تَكْرَارًا لَكِنَّ الْمُعَلَّقَ بِشَرْطٍ أَوْ وَصْفٍ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُؤَثِّرُ التَّعَلُّقُ فِي إثْبَاتِ مَا لَا يَحْتَمِلُهُ اللَّفْظُ قُلْنَا لَيْسَ بِبَعِيدٍ فَإِنَّ الْقَيْدَ رُبَّمَا يَصْرِفُ اللَّفْظَ عَنْ مَدْلُولِهِ كَصِيَغِ الطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُوجِبُ الْوُقُوعَ فِي الْحَالِ وَإِذَا عُلِّقَ بِالشَّرْطِ يَتَأَخَّرُ الْحُكْمُ إلَى زَمَانِ وُجُودِ الشَّرْطِ.

الرَّابِعُ مَذْهَبُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ الْأَمْرَ لَا يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ، وَالتَّكْرَارَ بَلْ هُوَ لِلْخُصُوصِ، وَالْمَرَّةِ سَوَاءٌ كَانَ مُطْلَقًا مِثْلُ اُدْخُلْ الدَّارَ أَوْ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ أَوْ وَصْفٍ مِثْلُ إنْ دَخَلْت السُّوقَ فَاشْتَرِ اللَّحْمَ لَا يَقْتَضِي إلَّا اشْتِرَاءَ اللَّحْمِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَإِنَّمَا يُسْتَفَادُ الْعُمُومُ، وَالتَّكْرَارُ مِنْ دَلِيلٍ خَارِجِيٍّ كَتَكَرُّرِ السَّبَبِ مَثَلًا، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ: الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يُوجِبُ التَّكْرَارَ، وَلَا يَحْتَمِلُهُ سَوَاءٌ كَانَ مُطْلَقًا أَوْ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ أَوْ مَخْصُوصًا بِصِفَةٍ إلَّا أَنَّ الْأَمْرَ بِالْفِعْلِ يَقَعُ عَلَى أَقَلِّ جِنْسِهِ، وَهُوَ أَدْنَى مَا يُعَدُّ بِهِ مُمْتَثِلًا، وَيُحْتَمَلُ كُلُّ الْجِنْسِ بِدَلِيلِهِ، وَهُوَ النِّيَّةُ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ يَدُلُّ عَلَى مَصْدَرٍ مُفْرَدٍ، وَالْمُفْرَدُ لَا يَقَعُ عَلَى الْعَدَدِ بَلْ عَلَى الْوَاحِدِ حَقِيقَةً، وَهُوَ الْمُتَيَقَّنُ فَيَتَعَيَّنُ، أَوْ اعْتِبَارًا أَعْنِي الْمَجْمُوعَ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَجْمُوعٌ فَإِنَّهُ يُقَالُ: الْحَيَوَانُ جِنْسٌ وَاحِدٌ مِنْ الْأَجْنَاسِ، وَالطَّلَاقُ جِنْسٌ وَاحِدٌ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ، وَكَثْرَةُ الْأَجْزَاءِ أَوْ الْجُزْئِيَّاتِ لَا يَمْنَعُ الْوَحْدَةَ الِاعْتِبَارِيَّةَ، وَهُوَ مُحْتَمَلٌ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِالنِّيَّةِ فَإِنْ قِيلَ لَوْ لَمْ يَحْتَمِلْ الْعَدَدَ لَمَا صَحَّ تَفْسِيرُهُ بِهِ مِثْلُ: طَلِّقِي نَفْسَكِ ثِنْتَيْنِ أَوْ صُمْ عَشَرَةَ أَيَّامٍ أَوْ كُلَّ يَوْمٍ، وَنَحْوُ ذَلِكَ قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ بَلْ تَغْيِيرٌ إلَى مَا لَا يَحْتَمِلُهُ مُطْلَقُ اللَّفْظِ، وَلِهَذَا قَالُوا: إذَا قُرِنَ بِالصِّيغَةِ ذِكْرُ الْعَدَدِ فِي الْإِيقَاعِ يَكُونُ الْوُقُوعُ بِلَفْظِ الْعَدَدِ لَا بِالصِّيغَةِ حَتَّى لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: طَلَّقْتُك ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً، وَقَدْ مَاتَتْ قَبْلَ ذِكْرِ الْعَدَدِ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ، وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ طَلَّقْتُك، وَطَلِّقِي نَفْسَك فَقَدْ سَبَقَ فِي بَحْثِ الِاقْتِضَاءِ.

وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا نُسَلِّمُ؛ أَنَّ الْمُفْرَدَ لَا يَقَعُ عَلَى الْعَدَدِ فَإِنَّ الْمُفْرَدَ الْمُقْتَرِنَ بِشَيْءٍ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>