الشَّرَائِعِ بَعْدَ وَفَاتِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَيْسَ بِالِاسْتِصْحَابِ بَلْ؛ لِأَنَّهُ لَا نَسْخَ لِشَرِيعَتِهِ وَفِي حَيَاتِهِ فَقَدْ مَرَّ جَوَابُهُ فِي النَّسْخِ وَالْوُضُوءِ وَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ، وَنَحْوُهَا يُوجِبُ حُكْمًا مُمْتَدًّا إلَى زَمَانِ ظُهُورِ مُنَاقِضٍ فَيَكُونُ الْبَقَاءُ لِلدَّلِيلِ وَكَلَامُنَا فِيمَا لَا دَلِيلَ عَلَى الْبَقَاءِ كَحَيَاةِ الْمَفْقُودِ فَيَرِثُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ مِنْ بَابِ الْإِثْبَاتِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ وَلَا يُوَرَّثُ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْإِرْثِ مِنْ بَابِ الدَّفْعِ فَيَثْبُتُ بِهِ وَالصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ وَلَا يَصِحُّ عِنْدَهُ فَجَعَلَ بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ وَهِيَ الْأَصْلُ حُجَّةً عَلَى الْمُدَّعِي فَلَا يَصِحُّ الصُّلْحُ كَمَا بَعْدَ الْيَمِينِ وَعِنْدَنَا يَصِحُّ لِمَا قُلْنَا إنَّ الِاسْتِصْحَابَ لَا يَصِحُّ حُجَّةً لِلْإِثْبَاتِ فَلَا يَكُونُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ حُجَّةً عَلَى الْمُدَّعِي فَيَصِحُّ الصُّلْحُ وَ (تَجِبُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الشَّفِيعِ عِنْدَنَا عَلَى مِلْكِ الْمَشْفُوعِ بِهِ إذَا أَنْكَرَهُ الْمُشْتَرِي) ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الشَّفِيعِ الدَّارَ
ــ
[التلويح]
وَإِنْ أُرِيدَ بِطَرِيقِ الظَّنِّ فَمَمْنُوعٌ وَدَعْوَى الضَّرُورَةِ وَالظُّهُورِ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ غَيْرُ مَسْمُوعٍ خُصُوصًا فِيمَا يَدَّعِي الْخَصْمُ بَدَاهَةً نَقِيضَهُ وَأَيْضًا لَا نَدَّعِي أَنَّ مُوجِبَ الْحُكْمِ يَدُلُّ عَلَى الْبَقَاءِ بَلْ إنَّ سَبْقَ الْوُجُودِ مَعَ عَدَمِ ظَنِّ الْمُنَافِي الْمَدَافِعِ يَدُلُّ عَلَى الْبَقَاءِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يُفِيدُ ظَنَّ الْبَقَاءِ وَالظَّنُّ وَاجِبُ الِاتِّبَاعِ وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ وَكَلَامُنَا فِيمَا لَا دَلِيلَ عَلَى الْبَقَاءِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّ كَلَامَ الْخَصْمِ لَيْسَ فِي ذَلِكَ وَكَيْفَ يُحْكَمُ بِالشَّيْءِ بِدُونِ دَلِيلٍ وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي أَنَّ سَبْقَ الْوُجُودِ مَعَ عَدَمِ ظَنِّ الْمُنَافِي وَالْمُدَافِعِ هَلْ هُوَ دَلِيلٌ عَلَى الْبَقَاءِ.
(قَوْلُهُ: وَالصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ) أَيْ مَعَ إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَصِحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْأَصْلِ بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ حُجَّةٌ عَلَى الْمُدَّعِي بِمَنْزِلَةِ الْيَمِينِ فَإِنْ قِيلَ هَذَا حُجَّةٌ لَدَفْعِ حَقِّ الْمُدَّعِي فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَسْمُوعًا بِالِاتِّفَاقِ قُلْنَا بَلْ لِإِلْزَامِ الْمُدَّعِي وَإِثْبَاتِ بَرَاءَةِ ذِمَّةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
[التَّعْلِيلُ بِالنَّفْيِ]
(قَوْلُهُ: وَمِنْهَا التَّعْلِيلُ بِالنَّفْيِ) كَمَا يُقَالُ لَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ كَالْحَدِّ وَكَمَا يُقَالُ الْأَخُ لَا يُعْتِقُ عَلَى أَخِيهِ عِنْدَ الدُّخُولِ فِي مِلِكِهِ لِعَدَمِ الْبَعْضِيَّةِ كَابْنِ الْعَمِّ فَإِنَّ عَدَمَ الْمَالِيَّةِ لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِعَدَمِ الثُّبُوتِ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ، وَكَذَا عَدَمُ الْبَعْضِيَّةِ لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِعَدَمِ الْعِتْقِ لِجَوَازِ أَنْ يَتَحَقَّقَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِعِلَّةٍ أُخْرَى اللَّهُمَّ إلَّا إذَا ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ أَنَّ الْعِلَّةَ وَاحِدَةٌ فَقَطْ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِهَا عَدَمُ الْحُكْمِ كَمَا يُقَالُ وَلَدُ الْمَغْصُوبِ لَا يُضْمَنُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَغْصُوبٍ إذْ لَا يَصِحُّ أَنْ يَثْبُتَ الضَّمَانُ بِعِلَّةٍ أُخْرَى لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ عِلَّةَ الضَّمَانِ هَاهُنَا هُوَ الْغَصْبُ لَا غَيْرُ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا قَائِلَ بِأَنَّ التَّعْلِيلَ بِالنَّفْيِ إحْدَى الْحُجَجِ الشَّرْعِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ الِاسْتِصْحَابِ حَتَّى يُعَدَّ فِي هَذَا الْفَصْلِ بَلْ هُوَ تَمَسُّكٌ بِقِيَاسٍ فَاسِدٍ بِمَنْزِلَةِ الْأَقْيِسَةِ الطَّرْدِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَبِمَنْزِلَةِ التَّمَسُّكَاتِ الْفَاسِدَةِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَمَّا إذَا ثَبَتَ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ أَنَّ الْعِلَّةَ وَاحِدَةٌ فَهُوَ اسْتِدْلَالٌ صَحِيحٌ مَرْجِعُهُ إلَى النَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ كَمَا إذَا ثَبَتَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ تَلَازُمٌ أَوْ تَنَافٍ فَيُسْتَدَلُّ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute