مِنْ التَّرْكِيبَاتِ بِمُفِيدٍ لِلْقَطْعِ بِمَدْلُولِهِ فَقَدْ أَنْكَرَ جَمِيعَ الْمُتَوَاتِرَاتِ كَوُجُودِ بَغْدَادَ فَمَا هُوَ إلَّا مَحْضُ السَّفْسَطَةِ وَالْعِنَادِ.
(وَالْعُقَلَاءُ لَا يَسْتَعْمِلُونَ الْكَلَامَ فِي خِلَافِ الْأَصْلِ عِنْدَ عَدَمِ الْقَرِينَةِ، وَأَيْضًا قَدْ نَعْلَمُ بِالْقَرَائِنِ الْقَطْعِيَّةِ أَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الْمُرَادُ، وَإِلَّا تَبْطُلُ فَائِدَةُ التَّخَاطُبِ، وَقَطْعِيَّةُ الْمُتَوَاتِرِ أَصْلًا) ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ يَسْتَعْمِلُونَ الْعِلْمَ الْقَطْعِيَّ فِي مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا يَقْطَعُ الِاحْتِمَالَ أَصْلًا كَالْمُحْكَمِ وَالْمُتَوَاتِرِ، وَالثَّانِي مَا يَقْطَعُ الِاحْتِمَالَ النَّاشِئَ عَنْ الدَّلِيلِ كَالظَّاهِرِ، وَالنَّصِّ، وَالْخَبَرِ الْمَشْهُورِ مَثَلًا فَالْأَوَّلُ يُسَمُّونَهُ عِلْمَ الْيَقِينِ، وَالثَّانِي عِلْمَ الطُّمَأْنِينَةِ.
التَّقْسِيمُ الرَّابِعُ فِي كَيْفِيَّةِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى فَهِيَ عَلَى الْمَوْضُوعِ لَهُ أَوْ جُزْئِهِ أَوْ لَازِمِهِ الْمُتَأَخِّرِ عِبَارَةٌ إنْ سِيقَ الْكَلَامُ لَهُ، وَإِشَارَةٌ إنْ لَمْ يُسَقْ الْكَلَامُ لَهُ، وَعَلَى لَازِمِهِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ اقْتِضَاءً، وَعَلَى الْحُكْمِ فِي شَيْءٍ يُوجَدُ فِيهِ مَعْنًى يُفْهَمُ لُغَةً (أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَنْطُوقِ لِأَجَلِهِ دَلَالَةٌ) اعْلَمْ أَنَّ
ــ
[التلويح]
عِنَادٌ، أَيْ إنْكَارٌ لِلضَّرُورِيِّ، وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إنْكَارٌ لِلْمُتَوَاتِرَاتِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ كُلِّ خَبَرٍ ظَنِّيًّا لَا يُنَافِي إفَادَةَ الْمَجْمُوعِ لِلْقَطْعِ بِوَاسِطَةِ انْضِمَامِ دَلِيلٍ عَقْلِيٍّ إلَيْهِ، وَهُوَ جَزْمُ الْعَقْلِ بِامْتِنَاعِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الْكَذِبِ.
(قَوْلُهُ كَالْمُحْكَمِ) أَيْ كَالْعِلْمِ الْحَاصِلِ مِنْ الْمُحْكَمِ فَإِنَّهُ قَدْ انْضَمَّتْ إلَيْهِ قَرَائِنُ قَطْعِيَّةُ الدَّلَالَةِ عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ خِلَافِ الْأَصْلِ
[التَّقْسِيمُ الرَّابِعُ فِي كَيْفِيَّةِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى]
(قَوْلُهُ التَّقْسِيمُ الرَّابِعُ فِي كَيْفِيَّةِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى) وَقَدْ حَصَرُوهَا فِي عِبَارَةِ النَّصِّ، وَإِشَارَتِهِ، وَدَلَالَتِهِ، وَاقْتِضَائِهِ، وَوَجْهُ ضَبْطِهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْقَوْمُ أَنَّ الْحُكْمَ الْمُسْتَفَادَ مِنْ النَّظْمِ إمَّا أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا بِنَفْسِ النَّظْمِ أَوْ لَا، وَالْأَوَّلُ إنْ كَانَ النَّظْمُ مَسُوقًا لَهُ فَهُوَ الْعِبَارَةُ، وَإِلَّا فَهُوَ الْإِشَارَةُ، وَالثَّانِي إنْ كَانَ الْحُكْمُ مَفْهُومًا مِنْهُ لُغَةً فَهِيَ الدَّلَالَةُ أَوْ شَرْعًا فَهُوَ الِاقْتِضَاءُ، وَإِلَّا فَهُوَ التَّمَسُّكَاتُ الْفَاسِدَةُ، وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ النَّظْمُ إمَّا أَنْ يَكُونَ عَيْنَ الْمَوْضُوعِ لَهُ أَوْ جُزْأَهُ أَوْ لَازِمَهُ الْمُتَأَخِّرَ أَوْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ، وَالْأَوَّلُ إمَّا أَنْ يَكُونَ سَوْقُ الْكَلَامِ لَهُ فَيُسَمَّى دَلَالَتُهُ عَلَيْهِ عِبَارَةً أَوَّلًا فَإِشَارَةً، وَالثَّانِي فَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى؛ لَازِمًا " مُتَقَدِّمًا لِلْمَوْضُوعِ لَهُ فَالدَّلَالَةُ اقْتِضَاءٌ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ يُوجَدُ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى عِلَّةٌ يَفْهَمُ كُلُّ مَنْ يَعْرِفُ اللُّغَةَ، أَيْ وَضْعُ ذَلِكَ اللَّفْظِ لِمَعْنَاهُ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْمَنْطُوقِ لِأَجْلِهَا فَدَلَالَةُ نَصٍّ، وَإِلَّا فَلَا دَلَالَةَ لَهُ أَصْلًا، وَالتَّمَسُّكُ بِمِثْلِهِ فَاسِدٌ فَالْأَقْسَامُ الْمَذْكُورَةُ صِفَةُ الدَّلَالَةِ، وَيَحْصُلُ بِاعْتِبَارِهَا تَقْسِيمُ النَّظْمِ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَدُلَّ بِطَرِيقِ الْعِبَارَةِ أَوْ الْإِشَارَةِ أَوْ الِاقْتِضَاءِ أَوْ الدَّلَالَةِ، وَلَمَّا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ تَفْسِيرَ الدَّلَالَاتِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مَفْهُومٌ مِنْ كَلَامِ الْقَوْمِ، وَمَأْخُوذٌ مِنْ أَمْثِلَتِهِمْ، وَلَمَّا كَانَ كَلَامُ الْقَوْمِ أَنَّ الثَّابِتَ بِالْعِبَارَةِ وَالْإِشَارَةِ ثَابِتٌ بِنَفْسِ النَّظْمِ لَزِمَهُ بَيَانُ أَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَوْضُوعِ لَهُ، وَجُزْئِهِ، وَلَازِمِهِ الْمُتَأَخِّرِ ثَابِتٌ بِالنَّظْمِ فَبَيَّنَ ذَلِكَ بِمَا ذَكَرَهُ الْقَوْمُ فِي قَوْله تَعَالَى {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر: ٨] الْآيَةَ وقَوْله تَعَالَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute