للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَشَايِخَنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى لَمَّا قَسَّمُوا الدَّلَالَاتِ عَلَى هَذِهِ الْأَرْبَعِ وَجَبَ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُمْ عَلَى الْحَصْرِ لِئَلَّا يَفْسُدَ تَقْسِيمُهُمْ فَأَقُولُ: الَّذِي فَهِمْت مِنْ كَلَامِهِمْ وَمِنْ الْأَمْثِلَةِ الَّتِي أَوْرَدُوهَا لِهَذِهِ الدَّلَالَاتِ أَنَّ عِبَارَةَ النَّصِّ دَلَالَتُهُ عَلَى الْمَعْنَى الْمَسُوقِ لَهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْمَعْنَى عَيْنَ الْمَوْضُوعِ لَهُ أَوْ جُزْأَهُ أَوْ لَازِمَهُ الْمُتَأَخِّرَ، وَإِشَارَةُ النَّصِّ دَلَالَتُهُ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَسُوقًا لَهُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ الثَّابِتَ بِالْعِبَارَةِ فِي اصْطِلَاحِهِمْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا بِالنَّظْمِ وَيَكُونُ سَوْقُ الْكَلَامِ لَهُ، وَالْحُكْمَ الثَّابِتَ بِالْإِشَارَةِ أَنْ يَكُونَ ثَابِتًا بِالنَّظْمِ وَلَا يَكُونَ سَوْقُ الْكَلَامِ لَهُ، وَمُرَادُهُمْ بِالنَّظْمِ اللَّفْظُ، وَقَدْ قَالُوا قَوْله تَعَالَى {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ} [الحشر: ٨] الْآيَةَ، سِيقَ لِإِيجَابِ سَهْمٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى زَوَالِ مِلْكِهِمْ عَمَّا خَلَّفُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَالْمَعْنَى الْأَوَّلُ وَهُوَ إيجَابُ سَهْمٍ مِنْ الْغَنِيمَةِ لَهُمْ هُوَ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعُ لَهُ، وَقَدْ جَعَلُوهُ عِبَارَةً فِيهِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى الْمَوْضُوعُ

ــ

[التلويح]

{وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ} [البقرة: ٢٣٣] .

، وَلَمَّا كَانَ مُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ كُلًّا مِنْ الثَّابِتِ بِالْعِبَارَةِ وَالْإِشَارَةِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: نَفْسُ الْمَوْضُوعِ لَهُ، وَجُزْؤُهُ، وَلَازِمُهُ الْمُتَأَخِّرُ، أَوْرَدَ أَمْثِلَةً أُخْرَى تَتْمِيمًا لِلْمَقْصُودِ، وَتَوْضِيحًا لَهُ، وَلَزِمَ تَكَرُّرُ بَعْضِ الْأَمْثِلَةِ ضَرُورَةَ أَنَّ الْإِشَارَةَ تَسْتَلْزِمُ الْعِبَارَةَ، وَأَنَّ ثُبُوتَ الشَّيْءِ يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ أَجْزَائِهِ، وَلَوَازِمِهِ.

ثُمَّ هَاهُنَا أَبْحَاثٌ: الْأَوَّلُ أَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مُشْعِرٌ بِأَنَّ مَعْنَى السَّوْقِ لَهُ هَاهُنَا مَا ذَكَرَهُ فِي النَّصِّ الْمُقَابِلِ لِلظَّاهِرِ حَتَّى غَيْرَ أَنَّ الْمَسُوقِ لَهُ جَازَ أَنْ يَكُونَ نَفْسُ الْمَوْضُوعِ لَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] أَنَّهُ عِبَارَةٌ فِي اللَّازِمِ الْمُتَأَخِّرِ، وَهُوَ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالرِّبَا إشَارَةً إلَى الْمَوْضُوعِ لَهُ، وَهُوَ حِلُّ الْبَيْعِ، وَحُرْمَةُ الرِّبَا وَإِلَى أَجْزَائِهِ كَحِلِّ بَيْعِ الْحَيَوَانِ مَثَلًا، وَحُرْمَةِ بَيْعِ النَّقْدَيْنِ مُتَفَاضِلَةً، وَإِلَى لَوَازِمِهِ كَانْتِقَالِ الْمِلْكِ وَوُجُوبِ التَّسْلِيمِ مَثَلًا فِي الْبَيْعِ وَحُرْمَةِ الِانْتِفَاعِ وَوُجُوبِ رَدِّ الزَّوَائِدِ فِي الرِّبَا، وَفِي كَلَامِ بَعْضِ الْأُصُولِيِّينَ أَوْ مَعْنَى الْمَسُوقِ لَهُ هَاهُنَا مَا يَكُونُ مَقْصُودًا فِي الْجُمْلَةِ سَوَاءً كَانَ مَقْصُودًا أَصْلِيًّا كَالْعَدَدِ فِي آيَةِ النِّكَاحِ أَوْ غَيْرَ أَصْلِيٍّ بِأَنْ يُقْصَدَ بِاللَّفْظِ إفَادَةُ هَذَا الْمَعْنَى لَكِنْ لِغَرَضِ إتْمَامِ مَعْنًى آخَرَ كَإِبَاحَةِ النِّكَاحِ فِيهَا، حَتَّى لَوْ انْفَرَدَ عَنْ الْقَرِينَةِ صَارَ مَقْصُودًا أَصْلِيًّا بِخِلَافِ الْغَيْرِ الْمَسُوقِ لَهُ فَإِنَّهُ مَا يَكُونُ مِنْ لَوَازِمِ الْمَعْنَى كَانْعِقَادِ بَيْعِ الْكَلْبِ مِنْ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ مِنْ السُّحْتِ ثَمَنَ الْكَلْبِ» صَرَّحَ بِذَلِكَ أَبُو الْيُسْرِ حَيْثُ جَعَلَ حِلَّ الْبَيْعِ وَحُرْمَةَ الرِّبَا وَالتَّفْرِقَةَ بَيْنَهُمَا كُلَّهَا ثَابِتَةً بِعِبَارَةِ النَّصِّ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: ٢٧٥] .

الثَّانِي أَنَّ الثَّابِتَ بِدَلَالَةِ النَّصِّ إذَا لَمْ يَكُنْ عَيْنَ الْمَوْضُوعِ لَهُ وَلَا جُزْأَهُ وَلَا لَازِمَهُ فَدَلَالَةُ النَّظْمِ عَلَيْهِ، وَثُبُوتُهُ بِهِ مَمْنُوعَةٌ لِلْقَطْعِ بِانْحِصَارِ دَلَالَةِ اللَّفْظِ الَّتِي لِلْوَضْعِ مَدْخَلٌ فِيهَا فِي الثَّلَاثِ، وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ دَلَالَةَ اللَّفْظِ عَلَى الثَّابِتِ بِدَلَالَةِ النَّصِّ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، وَلِهَذَا اُشْتُرِطَ فِي فَهْمِهِ الْعِلْمُ بِالْوَضْعِ.

الثَّالِثُ أَنَّ الثَّابِتَ بِدَلَالَةِ النَّصِّ كَثِيرًا

<<  <  ج: ص:  >  >>