للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشُّرُوعِ فِي النَّفْلِ وَفِي الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ الْمُخَلِّصُ عَنْ الْقَلْبِ وَلَوْ يُمْكِنُ لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - هَذَا فِي مَسْأَلَةِ الرَّجْمِ وَالْقِرَاءَةِ أَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الرَّجْمِ فَلِأَنَّ الرَّجْمَ وَالْجَلْدَ لَيْسَا بِسَوَاءٍ فِي أَنْفُسِهِمَا؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا قَتْلٌ وَالْآخَر ضَرْبٌ وَلَا فِي شُرُوطِهِمَا حَيْثُ يُشْتَرَطُ لِأَحَدِهِمَا مَا لَا يُشْتَرَطُ لَلْآخَرِ فَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِدْلَال بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا عَلَى وُجُودِ الْآخَرِ وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الْقِرَاءَةِ فَلِأَنَّ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ لَيْسَا بِسَوَاءٍ فِي الْقِرَاءَةِ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ السُّورَةِ سَاقِطَةٌ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي وَأَيْضًا الْجَهْرُ سَاقِطٌ فِيهِ فَقَوْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرُوا إشَارَةٌ إلَى هَذَا وَمِنْهَا خَالِصَةٌ فَإِنْ أَقَامَ الدَّلِيلَ عَلَى نَفْيِ عِلِّيَّةِ مَا أَثْبَتَهُ الْمُعَلِّلُ فَمَقْبُولَةٌ وَإِنْ أَقَامَ عَلَى عِلِّيَّةِ شَيْءٍ آخَرَ فَإِنْ كَانَتْ قَاصِرَةً لَا يُقْبَلُ عِنْدَنَا وَكَذَا إنْ كَانَتْ مُتَعَدِّيَةً إلَى مُجْمَعٍ عَلَيْهِ كَمَا يُعَارِضُنَا مَالِكٌ بِأَنَّ الْعِلَّةَ الطَّعْمُ وَالِادِّخَارُ، وَهُوَ

ــ

[التلويح]

فِي مَحَلٍّ آخَر وَبِهَذَا يَنْدَفِعُ مَا ذَكَرَهُ فِي بُطْلَانِ الْمُعَارَضَةِ بِإِثْبَاتِ عِلَّةٍ مُتَعَدِّيَةٍ إلَى مُجْمَعٍ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَثْبُتَ الْحُكْمُ بِعِلَلٍ شَتَّى وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ وَصْفَ الْمُعَلِّلِ حِينَئِذٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جُزْءَ عِلَّةٍ وَهَذَا كَافٍ فِي غَرَضِ الْمُعْتَرِضِ أَعْنِي الْقَدْحَ فِي عِلِّيَّةِ وَصْفِ الْمُعَلِّلِ لَا يُقَالُ الْكَلَامُ فِيمَا إذَا ثَبَتَ عِلِّيَّةُ الْوَصْفِ وَظَهَرَ تَأْثِيرُهُ؛ لِأَنَّا نَقُولُ نَعَمْ وَلَكِنْ لَا قَطْعًا بَلْ ظَنًّا وَحِينَئِذٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيَانُ عِلِّيَّةِ وَصْفٍ آخَرَ مُوجِبًا لِزَوَالِ الظَّنِّ بِعِلِّيَّةِ وَصْفِ الْمُعَلِّلِ اسْتِقْلَالًا.

(قَوْلُهُ: وَإِنْ تَعَدَّى) أَيْ الشَّيْءُ الْآخَرُ الَّذِي ادَّعَى الْمُعْتَرِضُ عِلِّيَّتَهُ إلَى فَرْعٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ كَمَا إذَا قِيلَ الْجَصُّ مَكِيلٌ قُوبِلَ بِجِنْسِهِ فَيَحْرُمُ مُتَفَاضِلًا كَالْحِنْطَةِ فَيُعَارِضُ بِأَنَّ الْعِلَّةَ هِيَ الطَّعْمُ فَيَتَعَدَّى إلَى الْفَوَاكِهِ وَمَا دُونِ الْكَيْلِ كَبَيْعِ الْحَفْنَةِ بِالْحَفْنَتَيْنِ وَجَرَيَانِ الرِّبَا فِيهِمَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَمِثْلُ هَذَا يُقْبَلُ عِنْدَ أَهْلِ النَّظَرِ؛ لِأَنَّ الْمُعَلِّلَ وَالْمُعْتَرِضَ قَدْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ إنَّمَا هِيَ أَحَدُ الْوَصْفَيْنِ فَقَطْ إذْ لَوْ اسْتَقَلَّ كُلٌّ بِالْعِلِّيَّةِ لَمَا وَقَعَ نِزَاعٌ فِي الْفَرْعِ الْمُخْتَلِفِ فِيهِ فَإِثْبَاتُ عِلِّيَّةِ أَحَدِهِمَا تُوجِبُ نَفْيَ عِلِّيَّةِ الْآخَرِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا تَعَدَّى إلَى فَرْعٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَلْتَزِمَ الْمُعَلِّلُ عَلَيْهِ وَصْفَ الْمُعْتَرِضِ أَيْضًا؛ قَوْلًا بِتَعَدُّدِ الْعِلَّةِ كَمَا إذَا ادَّعَى أَنَّ عِلَّةَ الرِّبَا هِيَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ ثُمَّ الْتِزَامُ أَنَّ الِاقْتِيَاتَ وَالِادِّخَارَ أَيْضًا عِلَّةٌ لِيَتَعَدَّى إلَى الْأَرُزِّ لَكِنْ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَلْتَزِمَ أَنَّ الطَّعْمَ أَيْضًا عِلَّةٌ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ جَرَيَانَ الرِّبَا فِي التُّفَّاحِ مَثَلًا فَإِنْ قُلْت الْكَلَامُ فِيمَا إذَا ثَبَتَ عِلِّيَّةُ وَصْفِ الْمُعَلِّلِ وَتَأْثِيرُهُ فَانْتِفَاؤُهُ بِثُبُوتِ عِلِّيَّةِ وَصْفِ الْمُعْتَرِضِ لَيْسَ أَوْلَى مِنْ الْعَكْسِ قُلْتُ: الْمُرَادُ أَنَّ ثُبُوتَ عِلِّيَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا يَسْتَلْزِمُ انْتِفَاءَ عِلِّيَّةِ الْآخَرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ وَاحِدٌ لَا غَيْرُ، وَلَا يَصِحُّ الْحُكْمُ بِعِلِّيَّةِ أَحَدِهِمَا مَا لَمْ يُرَجَّحْ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُبْطِلُ عِلِّيَّةَ وَصْفِ الْمُعَلِّلِ وَيُثْبِتُ صِحَّةَ عِلِّيَّةِ وَصْفِ الْمُعْتَرِضِ لِمُجَرَّدِ الْمُعَارَضَةِ، وَأَمَّا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَلَا يُقْبَلُ مِثْلُ هَذِهِ الْمُعَارَضَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِصِحَّةِ عِلِّيَّةِ أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ تَأْثِيرٌ فِي فَسَادِ عِلِّيَّةِ الْآخَرِ نَظَرًا إلَى ذَاتِهِمَا لِجَوَازِ اسْتِقْلَالِ الْعِلَّتَيْنِ، وَإِنَّمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>