أَوْ غَيْرُ خَارِجٍ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْأَفْرَادِ أَوْلَى كَمَا ذَكَرْنَا فِي التَّخْصِيصِ أَوْ لَمْ يَكُنْ نَحْوَ «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» «وَرُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» لِأَنَّ عَيْنَ فِعْلِ الْجَوَارِحِ لَا يَكُونُ بِالنِّيَّةِ وَعَيْنَ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ غَيْرُ مَرْفُوعٍ بَلْ الْمُرَادُ الْحُكْمُ، وَهُوَ نَوْعَانِ الْأَوَّلُ الثَّوَابُ وَالْإِثْمُ وَالثَّانِي الْجَوَازُ وَالْفَسَادُ وَنَحْوُهُمَا وَالْأَوَّلُ بِنَاءً عَلَى صِدْقِ عَزِيمَتِهِ وَالثَّانِي بِنَاءً عَلَى رُكْنِهِ وَشَرْطِهِ فَإِنَّ مَنْ
ــ
[التلويح]
أَفْرَادِ مَفْهُومِهِ بِالْإِرَادَةِ مِنْ اللَّفْظِ لِاخْتِصَاصِ الْبَعْضِ الْآخَرِ بِنُقْصَانٍ كَالْمُكَاتَبِ مِنْ أَفْرَادِ الْمَمْلُوكِ أَوْ بِزِيَادَةٍ كَالْعِنَبِ مِنْ أَفْرَادِ الْفَاكِهَةِ فَيَصِيرُ اللَّفْظُ مَجَازًا بِاعْتِبَارِ اخْتِصَاصِهِ بِالْبَعْضِ الْأَوْلَى، وَهَذَا الَّذِي يُسَمِّيهِ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَقِيقَةً قَاصِرَةً، وَذَهَبَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِيمَا سَبَقَ إلَى أَنَّهُ حَقِيقَةٌ مِنْ وَجْهٍ مَجَازٌ مِنْ وَجْهٍ، وَلَمْ يُبَيِّنْ هَاهُنَا أَنَّهُ مَانِعٌ عَنْ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ عَقْلًا أَوْ حِسًّا أَوْ عَادَةً أَوْ شَرْعًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَانِعٌ عَادَةً، وَقَدْ جَعَلَهُ فِيمَا سَبَقَ قَسِيمًا لِدَلَالَةِ الْعَادَةِ أَيْضًا لِأَنَّهُ أَرَادَ بِالْعَادَةِ ثَمَّةَ مَا يَخْتَصُّ بِالْأَفْعَالِ دُونَ الْأَقْوَالِ، وَالثَّانِي مَا لَا يَكُونُ ذَلِكَ بِاعْتِبَارِ أَوْلَوِيَّةِ بَعْضِ الْأَفْرَادِ، وَذَكَرَ لَهُ ثَمَانِيَةَ أَمْثِلَةٍ تَمْنَعُ الْقَرِينَةَ عَنْ إرَادَةِ الْحَقِيقَةِ فِي الْأَوَّلَيْنِ عَقْلًا، وَفِي الثَّالِثِ، وَالرَّابِعِ، وَالْخَامِسِ حِسًّا مَعَ الْعُرْفِ فِي الْخَامِسِ، وَفِي السَّادِسِ عُرْفًا وَفِي الثَّامِنِ شَرْعًا فَلِذَا أَعَادَ لَفْظَ نَحْوَ، وَفِي السَّابِعِ إمَّا عُرْفًا عَامًّا أَوْ خَاصًّا أَوْ شَرْعًا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ فَلِذَا خَالَفَ بِهِ غَيْرَهُ، وَذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْكَافِ.
(قَوْلُهُ «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» ) رُوِيَ مُصَدَّرًا بِإِنَّمَا، وَمُجَرَّدًا عَنْهَا، وَكِلَاهُمَا يُفِيدُ الْحَصْرَ، وَالْمُرَادُ بِالنِّيَّةِ قَصْدُ الطَّاعَةِ وَالتَّقَرُّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فِي إيجَادِ الْفِعْلِ فَلَوْ سَقَطَ فِي الْمَاءِ فَاغْتَسَلَ أَوْ غَسَلَ أَعْضَاءَهُ لِلتَّبَرُّدِ لَمْ يَكُنْ نَاوِيًا، وَنَفْسُ هَذَا الْكَلَامِ يَدُلُّ عَقْلًا عَلَى عَدَمِ إرَادَةِ حَقِيقَتِهِ إذْ قَدْ يَحْصُلُ الْعَمَلُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ بَلْ الْمُرَادُ بِالْأَعْمَالِ حُكْمُهَا بِاعْتِبَارِ إطْلَاقِ الشَّيْءِ عَلَى أَثَرِهِ وَمُوجَبِهِ، وَالْحُكْمُ نَوْعَانِ نَوْعٌ يَتَعَلَّقُ بِالْآخِرَةِ، وَهُوَ الثَّوَابُ فِي الْأَعْمَالِ الْمُفْتَقِرَةِ إلَى النِّيَّةِ، وَالْإِثْمُ فِي الْأَفْعَالِ الْمُحَرَّمَةِ، وَنَوْعٌ يَتَعَلَّقُ بِالدُّنْيَا، وَهُوَ الْجَوَازُ وَالْفَسَادُ، وَالْكَرَاهَةُ، وَالْإِسَاءَةُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَالنَّوْعَانِ مُخْتَلِفَانِ بِدَلِيلِ أَنَّ مَبْنَى الْأَوَّلِ عَلَى صِدْقِ الْعَزِيمَةِ، وَخُلُوصِ النِّيَّةِ فَإِنْ وُجِدَ وُجِدَ الثَّوَابُ، وَإِلَّا فَلَا، وَمَبْنَى الثَّانِي عَلَى وُجُودِ الْأَرْكَانِ وَالشَّرَائِطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الشَّرْعِ حَتَّى لَوْ وُجِدَتْ صَحَّ وَإِلَّا فَلَا، سَوَاءٌ اشْتَمَلَ عَلَى صِدْقِ الْعَزِيمَةِ أَوْ لَا إذَا صَارَ اللَّفْظُ مَجَازًا عَنْ النَّوْعَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا بِحَسَبِ الْوَضْعِ النَّوْعِيِّ فَلَا يَجُوزُ إرَادَتُهُمَا جَمِيعًا أَمَّا عِنْدَنَا فَلِأَنَّ الْمُشْتَرَكَ لَا عُمُومَ لَهُ، وَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَلِأَنَّ الْمَجَازَ لَا عُمُومَ لَهُ بَلْ يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى أَحَدِ النَّوْعَيْنِ فَحَمَلَهُ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى النَّوْعِ الثَّانِي بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَهَمَّ مِنْ بَعْثَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَانُ الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ وَالصِّحَّةِ وَالْفَسَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهُوَ أَقْرَبُ إلَى الْفَهْمِ فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّ صِحَّةَ الْأَعْمَالِ لَا تَكُونُ إلَّا بِالنِّيَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute