للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَحْضِ لِأَنَّ فِعْلَهُ لَا يَصْلُحُ جَزَاءً لِفِعْلِهِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ إنْ لَمْ آتِك فَأَتَغَدَّى عِنْدَك حَتَّى إذَا تَغَدَّى مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ بَرَّ وَلَيْسَ لِهَذَا) أَيْ لِلْعَطْفِ الْمَحْضِ (نَظِيرٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ بَلْ اخْتَرَعُوهُ) أَيْ الْفُقَهَاءُ اسْتِعَارَةً

(حُرُوفُ الْجَرِّ الْبَاءُ لِلْإِلْصَاقِ وَالِاسْتِعَانَةِ فَتَدْخُلُ عَلَى

ــ

[التلويح]

سَبَبِيَّةَ الْأَوَّلِ لِلثَّانِي مِنْ غَيْرِ لُزُومِ مُجَازَاةٍ وَمُكَافَأَةٍ مِنْ شَخْصٍ آخَرَ مِثْلُ أَسْلَمْت كَيْ أَدْخُلَ الْجَنَّةَ، وَحَتَّى أَدْخُلَ الْجَنَّةَ عَلَى لَفْظِ الْمَبْنِيِّ لِلْفَاعِلِ مِنْ الدُّخُولِ، وَلَا امْتِنَاعَ فِي كَوْنِ بَعْضِ أَفْعَالِ الشَّخْصِ سَبَبًا لِلْبَعْضِ وَمُفْضِيًا إلَيْهِ كَالْإِتْيَانِ إلَى التَّغَدِّي، وَإِذَا كَانَ حَتَّى لِلْعَطْفِ الْمَحْضِ فَقِيلَ بِمَعْنَى الْوَاوِ فَلَا يُفِيدُ التَّرْتِيبَ، وَظَاهِرُ كَلَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ حَتَّى بِمَعْنَى الْفَاءِ لِلْمُنَاسَبَةِ الظَّاهِرَةِ بَيْنَ التَّعْقِيبِ وَالْغَايَةِ فَلَوْ أَتَى وَتَغَدَّى عَقِيبَ الْإِتْيَانِ مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ حَصَلَ الْبِرُّ، وَإِلَّا فَلَا حَتَّى لَوْ لَمْ يَأْتِ أَوْ أَتَى، وَلَمْ يَتَغَدَّ أَوْ أَتَى وَتَغَدَّى مُتَرَاخِيًا حَنِثَ، وَالْمَذْكُورُ فِي نُسَخِ الزِّيَادَاتِ وَشُرُوحِهَا أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ إنْ نَوَى الْفَوْرَ وَالِاتِّصَالَ، وَإِلَّا فَهِيَ لِلتَّرْتِيبِ سَوَاءٌ كَانَ مَعَ التَّرَاخِي أَوْ بِدُونِهِ حَتَّى لَوْ أَتَى وَتَغَدَّى مُتَرَاخِيًا حَصَلَ الْبِرُّ، وَإِنَّمَا يَحْنَثُ لَوْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ التَّغَدِّي بَعْدَ الْإِتْيَانِ مُتَّصِلًا أَوْ مُتَرَاخِيًا فِي جَمِيعِ الْعُمْرَانِ أَطْلَقَ الْكَلَامَ، وَفِي الْوَقْتِ الَّذِي ذَكَرَهُ أَنَّ وَقْتَهُ مِثْلُ إنْ لَمْ آتِك الْيَوْمَ حَتَّى أَتَغَدَّى، وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إذَا أَتَاهُ فَلَمْ يَتَغَدَّ ثُمَّ تَغَدَّى مِنْ بَعْدِ غَيْرِهِ مُتَرَاخٍ فَقَدْ بَرَّ، وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَغَدَّ عَقِيبَ الْإِتْيَانِ ثُمَّ تَغَدَّى بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ مُتَرَاخِيًا بِالضَّرُورَةِ فَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِ غَيْرَ مُتَرَاخٍ، وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُرَادَ ثُمَّ تَغَدَّى بَعْدَ ذَلِكَ غَيْرَ مُتَرَاخٍ عَنْ الْإِتْيَانِ بِأَنْ يَأْتِيَهُ وَقْتًا آخَرَ فَيَتَغَدَّى عَقِيبَ الْإِتْيَانِ مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ، وَالْإِشْكَالُ إنَّمَا نَشَأَ مِنْ حَمْلِ التَّرَاخِي عَلَى التَّرَاخِي عَنْ الْإِتْيَانِ الْأَوَّلِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ إذَا أَتَاهُ، وَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ إلَى مَا يُقَالُ إنَّ الْمَسْأَلَةَ مَوْضُوعَةٌ فِي الْمُؤَقَّتِ أَيْ إنْ لَمْ آتِك الْيَوْمَ، وَالْمَعْنَى غَيْرَ مُتَرَاخٍ عَنْ الْيَوْمِ إلَّا أَنَّ لَفْظَ الْيَوْمِ سَقَطَ عَنْ قَلَمِ النَّاسِخِ، وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ حَتَّى أَتَغَدَّى بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ لَيْسَ بِمُسْتَقِيمٍ، وَالصَّوَابُ حَتَّى أَتَغَدَّ بِالْجَزْمِ مِثْلُ فَأَتَغَدَّ لِأَنَّهُ عُطِفَ عَلَى الْمَجْزُومِ بِلَمْ حَتَّى يَنْسَحِبَ حُكْمُ النَّفْيِ عَلَى الْفِعْلَيْنِ جَمِيعًا لَا عَلَى مَجْمُوعِ الْفِعْلِ، وَحَرْفُ النَّفْيِ حَتَّى لَا يَدْخُلُ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ لِفَسَادِ الْمَعْنَى، وَبُطْلَانِ الْحُكْمِ.

(قَوْلُهُ بَلْ اخْتَرَعُوهُ) يَعْنِي لَا تُوجَدُ حَتَّى فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مُسْتَعْمَلَةً لِلْعَطْفِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ الْغَايَةِ بَلْ صَرَّحُوا بِامْتِنَاعِ مِثْلِ جَاءَنِي زَيْدٌ حَتَّى عَمْرٌو، وَلَكِنَّ الْفُقَهَاءَ اسْتَعَارُوهَا بِمَعْنَى الْفَاءِ لِلْمُنَاسَبَةِ الظَّاهِرَةِ بَيْنَ الْغَايَةِ وَالتَّعْقِيبِ، وَلِكَوْنِهَا لِلتَّعْقِيبِ بِشَرْطِ الْغَايَةِ فَاسْتَعْمَلَ الْمُقَيَّدَ فِي الْمُطْلَقِ، وَلَا حَاجَةَ فِي أَفْرَادِ الْمَجَازِ إلَى السَّمَاعِ مَعَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ مِمَّا يُؤْخَذُ عَنْهُ اللُّغَةُ فَكَفَى بِقَوْلِهِ سَمَاعًا، وَلَفْظُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>