للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْلَى بِهِ مِنْ عَدَمِهِ امْتَنَعَ مِنْهُ فِعْلُهُ، وَإِنْ كَانَ أَوْلَى بِهِ كَانَ مُسْتَكْمِلًا بِهِ فَيَكُونُ نَاقِصًا فِي ذَاتِهِ، وَقَدْ قِيلَ عَلَيْهِ: إنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ مُسْتَكْمِلًا بِهِ لَوْ كَانَ الْغَرَضُ رَاجِعًا إلَيْهِ، وَهُنَا رَاجِعٌ إلَى الْعَبْدِ وَأَجَابُوا عَنْ ذَلِكَ أَنَّ تَحْصِيلَ مَصْلَحَةِ الْعَبْدِ، وَعَدَمَهُ إنْ اسْتَوَيَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ لَا يَكُونُ غَرَضًا وَدَاعِيًا لَهُ إلَى الْفِعْلِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَلْزَمُ التَّرْجِيحُ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَوِيَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ يَكُونُ فِعْلُهُ أَوْلَى فَيَلْزَمُ الِاسْتِكْمَالُ، أَقُولُ: هَذَا الْجَوَابُ غَيْرُ مَرْضِيٍّ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إنْ اسْتَوَيَا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ لَا يَكُونُ غَرَضًا وَدَاعِيًا، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ التَّرْجِيحَ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ. لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْأَوْلَوِيَّةُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْعِبَادِ مُرَجِّحًا.

(وَكَوْنُ الْعِلَّةِ هَكَذَا تُسَمَّى مُنَاسِبَةً) أَيْ: كَوْنُهَا بِحَيْثُ تَجْلُبُ النَّفْعَ إلَى الْعِبَادِ وَتَدْفَعُ الضَّرَرَ عَنْهُمْ يُسَمَّى مُنَاسِبَةً، وَالْوَصْفُ الْمُنَاسِبُ مَا يَجْلُبُ نَفْعًا أَوْ يَدْفَعُ ضَرَرًا وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ الْوَصْفُ الْمُنَاسِبُ مَا لَوْ عُرِضَ عَلَى الْعُقُولِ تَلَقَّتْهُ بِالْقَبُولِ وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الْمُنَاسِبَ إمَّا حَقِيقِيٌّ وَإِمَّا إقْنَاعِيٌّ، فَالْحَقِيقِيُّ إمَّا لِمَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ كَرِيَاضَةِ النَّفْسِ وَتَهْذِيبِ الْأَخْلَاقِ فَالْوَصْفُ الْمُنَاسِبُ كَالدُّلُوكِ وَشُهُودِ الشَّهْرِ، وَالْحُكْمُ وُجُوبُ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ.

وَالْحِكْمَةُ رِيَاضَةُ النَّفْسِ وَقَهْرُهَا، أَوْ دُنْيَوِيَّةٍ وَهِيَ إمَّا ضَرُورِيَّةٌ، وَهِيَ خَمْسَةٌ حِفْظُ النَّفْسِ، وَالْمَالِ وَالنَّسَبِ، وَالدِّينِ، وَالْعَقْلِ فَهَذِهِ الْخَمْسَةُ هِيَ الْحِكْمَةُ

ــ

[التلويح]

أَنْكَرَ التَّعْلِيلَ فَقَدْ أَنْكَرَ النُّبُوَّةَ) ؛ لِأَنَّ تَعْلِيلَ بِعْثَةِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِاهْتِدَاءِ الْخَلْقِ لَازِمٌ لَهَا، وَكَذَا تَعْلِيلُ إظْهَارِ الْمُعْجِزَاتِ عَلَى يَدِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِتَصْدِيقِ الْخَلْقِ، وَإِنْكَارُ اللَّازِمِ إنْكَارٌ لِلْمَلْزُومِ لِانْتِفَاءِ الْمَلْزُومِ بِانْتِفَاءِ اللَّازِمِ.

(قَوْلُهُ: وَالْوَصْفُ الْمُنَاسِبُ مَا يَجْلِبُ نَفْعًا أَوْ يَدْفَعُ ضَرَرًا) قَرِيبٌ مِمَّا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فِي الْمَحْصُولِ أَنَّهُ الْوَصْفُ الَّذِي يُفْضِي إلَى مَا يَجْلُبُ لِلْإِنْسَانِ نَفْعًا أَوْ يَدْفَعُ عَنْهُ ضَرَرًا وَفَسَّرَ النَّفْعَ بِاللَّذَّةِ أَوْ مَا يَكُونُ طَرِيقًا إلَيْهَا، وَالضَّرَرَ بِالْأَلَمِ أَوْ مَا يَكُونُ طَرِيقًا إلَيْهِ.

وَقَدْ يُفَسِّرُ الْمُنَاسِبَ بِالْوَصْفِ اللَّائِمِ لِأَفْعَالِ الْعُقَلَاءِ فِي الْعَادَاتِ، الْأَوْلَى قَوْلُ مَنْ يَجْعَلُ الْأَحْكَامَ الثَّابِتَةَ بِالنُّصُوصِ مُتَعَلِّقَةً بِالْحُكْمِ وَالْمَصَالِحِ. وَالثَّانِي: قَوْلُ مَنْ يَأْبَى ذَلِكَ وَقَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ أَبُو زَيْدٍ: الْمُنَاسِبُ مَا لَوْ عُرِضَ عَلَى الْعُقُولِ تَلَقَّتْهُ بِالْقَبُولِ يَعْنِي: إذَا عَرَضَ عَلَى الْعَقْلِ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ إنَّمَا شُرِعَ لِأَجْلِ هَذِهِ الْمَصْلَحَةِ يَكُونُ ذَلِكَ الْحُكْمُ مُوَصِّلًا إلَى تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ عَقْلًا وَتَكُونُ تِلْكَ الْمَصْلَحَةُ أَمْرًا مَقْصُودًا عَقْلًا وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَنَّ الْقَتْلَ الْعَمْدَ الْعُدْوَانَ وَصْفٌ مُنَاسِبٌ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ، وَالْإِسْكَارَ لِحُرْمَةِ الْخَمْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّقْسِيمِ الْمَذْكُورِ لَا يَسْتَقِيمُ عَلَى هَذِهِ التَّفَاسِيرِ إذْ لَيْسَ الْقَتْلُ مَثَلًا مِمَّا يَجْلُبُ نَفْعًا أَوْ يَدْفَعُ ضَرَرًا وَلَا هُوَ مُلَائِمٌ لِأَفْعَالِ الْعُقَلَاءِ وَلَا هُوَ مَقْصُودٌ مِنْ وُجُوبِ الْقِصَاصِ.

فَلِذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الْمُنَاسِبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>