للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِإِكْرَامِك؛ الْإِكْرَامُ بَاعِثٌ عَلَى الْمَجِيءِ وَالْقَتْلُ الْعَمْدُ بَاعِثٌ لِلشَّارِعِ عَلَى شَرْعِ الْقِصَاصِ صِيَانَةً لِلنُّفُوسِ وَقَوْلُهُ لَا عَلَى سَبِيلِ الْإِيجَابِ احْتِرَازٌ عَنْ مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّ الْعِلَّةَ تُوجِبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى شَرْعَ الْحُكْمِ عِنْدَهُمْ عَلَى مَا عُرِفَ أَنَّ الْأَصْلَحَ لِلْعِبَادِ وَاجِبٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَهُمْ (أَيْ: الْمُشْتَمِلُ عَلَى حِكْمَةٍ مَقْصُودَةٍ لِلشَّارِعِ فِي شَرْعِهِ الْحُكْمَ) هَذَا تَفْسِيرُ الْبَاعِثِ لَا عَلَى سَبِيلِ الْإِيجَابِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْحِكْمَةِ الْمَصْلَحَةُ، وَالْمُرَادَ مِنْ كَوْنِهِ مُشْتَمِلًا عَلَى الْحِكْمَةِ أَنَّ تَرَتُّبَ الْحُكْمِ عَلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ مُحَصِّلٌ لِلْحِكْمَةِ، فَإِنَّ الْعِلَّةَ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ الْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ وَلَا يُتَصَوَّرُ اشْتِمَالُهُ عَلَى الْحِكْمَةِ إلَّا بِهَذَا الْمَعْنَى (مِنْ جَلْبِ نَفْعٍ) أَيْ: إلَى الْعِبَادِ (أَوْ دَفْعِ ضَرٍّ) أَيْ: عَنْ الْعِبَادِ.

وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ أَفْعَالَ اللَّهِ تَعَالَى مُعَلَّلَةٌ بِمَصَالِحِ الْعِبَادِ عِنْدَنَا مَعَ أَنَّ الْأَصْلَحَ لَا يَكُونُ وَاجِبًا عَلَيْهِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ، وَمَا أَبْعَدَ عَنْ الْحَقِّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إنَّهَا غَيْرُ مُعَلَّلَةٍ بِهَا فَإِنَّ بَعْثَةَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِاهْتِدَاءِ الْخَلْقِ، وَإِظْهَارَ الْمُعْجِزَاتِ لِتَصْدِيقِهِمْ فَمَنْ أَنْكَرَ التَّعْلِيلَ فَقَدْ أَنْكَرَ النُّبُوَّةَ وقَوْله تَعَالَى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: ٥٦] وقَوْله تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ} [البينة: ٥] وَأَمْثَالُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ، وَدَالَّةٌ عَلَى مَا قُلْنَا، وَأَيْضًا لَوْ لَمْ يَفْعَلْ لِغَرَضٍ أَصْلًا يَلْزَمُ الْعَبَثُ.

وَدَلِيلُهُمْ أَنَّهُ إنْ فَعَلَ لِغَرَضٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُصُولُ ذَلِكَ الْغَرَضِ

ــ

[التلويح]

أَثَرًا لِشَيْءٍ آخَرَ، وَهُوَ فِعْلٌ حَادِثٌ كَالْقَتْلِ مَثَلًا، وَجَوَابُهُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ أَنَّ مَعْنَى تَأْثِيرِ الْخِطَابِ الْقَدِيمِ فِيهِ أَنَّهُ حُكْمٌ بِتَرَتُّبِهِ عَلَى الْعِلَّةِ وَثُبُوتِهِ عَقِيبَهَا، وَعَلَى هَذَا لَا يَبْعُدُ أَنْ يُرَادَ بِالْحُكْمِ الْخِطَابُ الْقَدِيمُ، وَيَكُونُ مَعْنَى تَأْثِيرِ الْعِلَّةِ تَأْثِيرُهَا فِي تَعَلُّقِ الْخِطَابِ بِأَفْعَالِ الْعِبَادِ.

(قَوْلُهُ: وَكُلُّ مَنْ جَعَلَ الْعِلَلَ الْعَقْلِيَّةَ مُؤَثِّرَةً بِذَوَاتِهَا يَجْعَلُ الْعِلَلَ الشَّرْعِيَّةَ كَذَلِكَ) فَإِنْ قُلْت كَوْنُ الْوَقْتِ مُوجِدًا لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ وَالْقَتْلِ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَذْهَبُ إلَيْهِ عَاقِلٌ؛ لِأَنَّ هَذِهِ أَعْرَاضٌ وَأَفْعَالٌ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهَا إيجَادٌ وَتَأْثِيرٌ.

قُلْتُ: مَعْنَى تَأْثِيرِهَا بِذَوَاتِهَا أَنَّ الْعَقْلَ يَحْكُمُ بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ بِمُجَرَّدِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى إيجَابٍ مِنْ مُوجِبٍ، وَكَذَا فِي كُلِّ مَا تَحَقَّقَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ عِلَّةٌ.

(قَوْلُهُ: كُلَّمَا وُجِدَ ذَلِكَ الشَّيْءُ يُوجَدُ عَقِيبَهُ الْوُجُوبُ) فَإِنْ قُلْت كَثِيرٌ مِنْ الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ مِمَّا كَانَتْ مُتَحَقِّقَةً قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوجَدَ عَقِيبَهَا الْوُجُوبُ كَالْوَقْتِ مَثَلًا قُلْتُ مَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ جَعَلَهُ الشَّارِعُ عِلَّةً لِحُكْمٍ فَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ حُكْمٌ بِأَنَّهُ كُلَّمَا يُوجَدُ ذَلِكَ الشَّيْءُ بِشَرَائِطِهِ يُوجَدُ الْحُكْمُ عَقِيبَهُ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَقِيلَ وُرُودُ الشَّرْعِ لَا حُكْمَ بِالْعِلِّيَّةِ فَلَا وُجُوبَ عَقِيبَ وُجُودِ ذَلِكَ الشَّيْءِ.

(قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا) يَعْنِي: أَنَّ الْمُوجِبَ لِلْأَحْكَامِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا أَنَّ الْإِيجَابَ لَمَّا كَانَ غَيْبًا عَنَّا وَنَحْنُ عَاجِزُونَ عَنْ دَرْكِهَا شَرَعَ الْعِلَلَ مُوجِبَاتٍ لِلْأَحْكَامِ فِي حَقِّ الْعَمَلِ وَنَسَبَ الْوُجُوبَ إلَيْهَا فِيمَا بَيْنَ الْعِبَادِ.

(قَوْلُهُ فَمَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>