للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذَا أُمِرَ بِالشَّيْءِ فَضِدُّ ذَلِكَ الشَّيْءِ إنْ فَوَّتَ الْمَقْصُودَ بِالْأَمْرِ فَفِعْلُ الضِّدِّ يَكُونُ حَرَامًا، وَإِنْ لَمْ يُفَوِّتْهُ يَكُونُ فِعْلُهُ مَكْرُوهًا، وَإِذَا نُهِيَ عَنْ الشَّيْءِ فَعَدَمُ ضِدِّهِ إنْ فَوَّتَ الْمَقْصُودَ بِالنَّهْيِ فَفِعْلُ الضِّدِّ يَكُونُ وَاجِبًا، وَإِنْ لَمْ يُفَوِّتْهُ فَفِعْلُهُ يَكُونُ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً، فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ وُجِدَ شَرَائِطُ التَّنَاقُضِ بَيْنَ الضِّدَّيْنِ فَوُجُوبُ أَحَدِهِمَا يُوجِبُ حُرْمَةَ الْآخَرِ، وَحُرْمَةُ أَحَدِهِمَا تُوجِبُ وُجُوبَ الْآخَرِ (لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَقْصِدْ الضِّدَّ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا مِنْ حَيْثُ يُفَوِّتُ الْمَقْصُودَ فَيَكُونُ هَذَا الْقَدْرُ مُقْتَضَى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَإِذَا لَمْ يُفَوِّتْ الْمَقْصُودَ نَقُولُ بِكَرَاهَتِهِ وَكَوْنِهِ سُنَّةً مُؤَكَّدَةً مُلَاحَظَةً لِظَاهِرِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ) ، فَإِنَّ مُشَابَهَةَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ تُوجِبُ الْكَرَاهَةَ، وَمُشَابَهَةُ الْمَأْمُورِ بِهِ تُوجِبُ النَّدْبَ

ــ

[التلويح]

فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْأَمْرِ بِالْعِدَّةِ لَيْسَ هُوَ الْكَفُّ بَلْ هُوَ الْمُحَرَّمَاتُ مِنْ النِّكَاحِ وَالْخُرُوجِ وَالْجِمَاعِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ ثَابِتَةً حَالَ النِّكَاحِ، وَالطَّلَاقُ شُرِّعَ لِإِزَالَتِهَا إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ أَخَّرَ ثُبُوتَ الْحُكْمِ بَعْدَ انْعِقَادِ السَّبَبِ إلَى انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ إذْ لَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْكَفُّ لَمَّا كَانَ الْخُرُوجُ أَوْ النِّكَاحُ حَرَامًا فِي نَفْسِهِ فَلَوْ تَحَقَّقَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَأْثَمَ إلَّا إثْمَ تَرْكِ الْكَفِّ لَا إثْمَ الْخُرُوجِ وَالْجِمَاعِ، وَلَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ الْحُرُمَاتُ وَالتُّرُوكُ تَدَاخَلَتْ الْعِدَّتَانِ إذْ لَا امْتِنَاعَ فِي اجْتِمَاعِ الْحُرُمَاتِ فَيَجُوزُ أَنْ تَثْبُتَ حُرْمَةُ الْخُرُوجِ وَالتَّزَوُّجِ مُؤَجَّلَةً إلَى انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِقْرَاءِ، وَلِهَذَا سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى الْعِدَّةَ أَجَلًا، وَالْآجَالُ إذَا اجْتَمَعَتْ عَلَى وَاحِدٍ أَوْ لِوَاحِدٍ انْقَضَتْ مُدَّةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا فِي الدُّيُونِ، بِخِلَافِ الصَّوْمِ، فَإِنَّ الْكَفَّ رُكْنُهُ الْمَقْصُودُ بِالْأَمْرِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ اتِّصَافُ الشَّيْءِ فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ بِفِعْلَيْنِ مُتَجَانِسَيْنِ كَجُلُوسَيْنِ.

(قَوْلُهُ وَالْمَأْمُورُ بِالْقِيَامِ) تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّ ضِدَّ الْمَأْمُورِ بِهِ إذَا لَمْ يُفَوِّتْهُ كَانَ مَكْرُوهًا لَا حَرَامًا، فَإِنَّ قُعُودَ الْمُصَلِّي لَا يُفَوِّتُ الْقِيَامَ الْمَأْمُورَ بِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الزَّمَانِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْقِيَامُ مَأْمُورًا بِهِ فِي زَمَانٍ بِعَيْنِهِ حُرِّمَ الْقُعُودُ فِيهِ، وَقَوْلُهُ لَا يَبْطُلُ مَعْنَاهُ لَا يَفْسُدُ؛ لِأَنَّ عَدَمَ الْبُطْلَانِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْوَاجِبِ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَلَا يُبْطِلُهَا.

(قَوْلُهُ وَالْمُحْرِمُ) تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّ عَدَمَ ضِدِّ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ إذَا لَمْ يُفَوِّتْهُ كَانَ مَنْدُوبًا لَا وَاجِبًا، فَإِنَّ الْمُحْرِمَ مَنْهِيٌّ عَنْ لُبْسِ الْمَخِيطِ مُدَّةَ إحْرَامِهِ، وَعَدَمُ ضِدِّهِ أَعْنِي عَدَمَ لُبْسِ الرِّدَاءِ وَالْإِزَارِ لَيْسَ بِمُفَوِّتٍ لِلْمَقْصُودِ بِالنَّهْيِ أَعْنِي تَرْكَ لُبْسِ الْمَخِيطِ لِجَوَازِ أَنْ لَا يَلْبَسَ الْمَخِيطَ وَلَا شَيْئًا مِنْ الرِّدَاءِ وَالْإِزَارِ فَيَكُونُ لُبْسُ الرِّدَاءِ وَالْإِزَارِ سُنَّةً لَا وَاجِبًا لَا يُقَالُ ضِدُّ لُبْسِ الْمَخِيطِ تَرْكُهُ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَلْبَسَ شَيْئًا آخَرَ، أَوْ لَا عَدَمُ التَّرْكِ مُفَوِّتٌ لِلْمَقْصُودِ بِالنَّهْيِ ضَرُورَةً؛ لِأَنَّا نَقُولُ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى اعْتِبَارَاتِهِمْ مِنْ أَنَّ ضِدَّ الْقِيَامِ هُوَ الْقُعُودُ وَالِاضْطِجَاعُ وَنَحْوُهُمَا لَا تَرْكُ الْقِيَامِ فَضِدُّ لُبْسِ الْمَخِيطِ، هُوَ لُبْسِ غَيْرِ الْمَخِيطِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِإِصْلَاحِ الْمُتَكَلِّمِينَ مِنْ أَنَّ الضِّدَّ يَكُونُ وُجُودِيًّا.

(قَوْلُهُ وَالسُّجُودُ) تَفْرِيعٌ عَلَى أَصْلَيْنِ مِمَّا سَبَقَ، وَذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>