للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْهَا، وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ فِيهِمَا شَيْئًا وَاحِدًا لَكِنَّ الْمَقِيسَ عَلَيْهِ مُتَعَدِّدٌ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ قِيَاسَانِ بَلْ قِيَاسٌ وَاحِدٌ مَعَ كَثْرَةِ الْأُصُولِ، وَهَذَا يَصْلُحُ لِلتَّرْجِيحِ.

(وَلَا الْحَدِيثُ بِحَدِيثٍ آخَرَ وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَا يَصْلُحُ عِلَّةً لَا يَصْلُحُ مُرَجِّحًا، وَكَذَا إذَا جُرِحَ أَحَدُهُمَا جِرَاحَةً وَالْآخَرُ عَشْرَ جِرَاحَاتٍ فَالدِّيَةُ نِصْفَانِ، وَكَذَا الشَّفِيعَانِ بِشِقْصَيْنِ مُتَفَاوِتَيْنِ. وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يُرَجِّحُ صَاحِبَ الْكَثِيرِ أَيْضًا) بِمَعْنَى أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ دُونَ الْآخَرِ (وَلَكِنْ يُقْسَمُ بِقَدْرِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ مِنْ مَرَافِقِ الْمِلْكِ كَالثَّمَرَةِ وَالْوَلَدِ فَنَقُولُ: حُكْمُ الْعِلَّةِ لَا يَتَوَلَّدُ مِنْهَا، وَلَا يَنْقَسِمُ عَلَيْهَا) الْمُرَادُ بِالْعِلَّةِ هَاهُنَا الْعِلَّةُ الْفَاعِلِيَّةُ وَهِيَ الَّتِي يَحْصُلُ الْمَعْلُولُ بِهَا فَإِنَّ الْمَعْلُولَ غَيْرُ مُتَوَلِّدٍ مِنْهَا وَغَيْرُ مُنْقَسِمٍ عَلَيْهَا بِخِلَافِ الْعِلَّةِ الْمَادِّيَّةِ وَهِيَ الَّتِي يَحْصُلُ الْمَعْلُولُ مِنْهَا فَالْمَعْلُولُ يَتَوَلَّدُ

ــ

[التلويح]

وَمَعْنَى اسْتِفْرَاغِ الْوُسْعِ بَذْلُ تَمَامِ الطَّاقَةِ بِحَيْثُ يَحُسُّ مِنْ نَفْسِهِ الْعَجْزَ عَنْ الْمَزِيدِ عَلَيْهِ فَخَرَجَ اسْتِفْرَاغُ غَيْرِ الْفَقِيهِ وُسْعَهُ فِي مَعْرِفَةِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَبَذْلُ الْفَقِيهِ وُسْعَهُ فِي مَعْرِفَةِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ قَطْعِيٍّ، أَوْ فِي الظَّنِّ بِحُكْمٍ غَيْرِ شَرْعِيٍّ لَيْسَ بِاجْتِهَادٍ.

وَشَرْطُ الِاجْتِهَادِ أَنْ يَحْوِيَ أَيْ أَنْ يَجْمَعَ الْعِلْمَ بِأُمُورٍ ثَلَاثَةٍ:

الْأَوَّلُ: الْكِتَابُ أَيْ الْقُرْآنُ بِأَنْ يَعْرِفَهُ بِمَعَانِيهِ لُغَةً وَشَرِيعَةً أَمَّا لُغَةً فَبِأَنْ يَعْرِفَ مَعَانِيَ الْمُفْرَدَاتِ وَالْمُرَكَّبَاتِ وَخُصُوصَهَا فِي الْإِفَادَةِ فَيَفْتَقِرُ إلَى اللُّغَةِ وَالصَّرْفِ وَالنَّحْوِ وَالْمَعَانِي وَالْبَيَانِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَعْرِفَ ذَلِكَ بِحَسَبِ السَّلِيقَةِ، وَأَمَّا شَرِيعَةً فَبِأَنْ يَعْرِفَ الْمَعَانِيَ الْمُؤَثِّرَةَ فِي الْأَحْكَامِ مَثَلًا يَعْرِفُ فِي قَوْله تَعَالَى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: ٤٣] أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَائِطِ الْحَدَثُ، وَأَنَّ عِلَّةَ الْحُكْمِ خُرُوجُ النَّجَاسَةِ عَنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ الْحَيِّ بِأَقْسَامِهِ مِنْ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ وَالْمُشْتَرَكِ وَالْمُجْمَلِ وَالْمُفَسَّرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَبَقَ ذِكْرُهُ بِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ هَذَا خَاصٌّ وَذَاكَ عَامٌّ، وَهَذَا نَاسِخٌ وَذَاكَ مَنْسُوخٌ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ هَذَا مُغَايِرٌ لِمَعْرِفَةِ الْمَعَانِي وَالْمُرَادُ بِالْكِتَابِ قَدْرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِمَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْعِلْمُ بِمَوَاقِعِهَا بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَيْهَا عِنْدَ طَلَبِ الْحُكْمِ لَا الْحِفْظُ عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ.

الثَّانِي: السُّنَّةُ قَدْرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ بِأَنْ يَعْرِفَهَا بِمَتْنِهَا وَهُوَ نَفْسُ الْحَدِيثِ وَسَنَدِهَا، وَهُوَ طَرِيقُ وُصُولِهَا إلَيْنَا مِنْ تَوَاتُرٍ، أَوْ شُهْرَةٍ، أَوْ آحَادٍ. وَفِي ذَلِكَ مَعْرِفَةُ حَالِ الرُّوَاةِ وَالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ إلَّا أَنَّ الْبَحْثَ عَنْ أَحْوَالِ الرُّوَاةِ فِي زَمَانِنَا هَذَا كَالْمُتَعَذِّرِ لِطُولِ الْمُدَّةِ وَكَثْرَةِ الْوَسَائِطِ فَالْأَوْلَى الِاكْتِفَاءُ بِتَعْدِيلِ الْأَئِمَّةِ الْمَوْثُوقِ بِهِمْ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ كَالْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَالْبَغَوِيِّ وَالصَّغَانِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ مَعْرِفَةُ مَتْنِ السُّنَّةِ بِمَعَانِيهِ لُغَةً وَشَرِيعَةً وَبِأَقْسَامِهِ مِنْ الْخَاصِّ وَالْعَامِّ وَغَيْرِهِمَا.

الثَّالِثُ: وُجُوهُ الْقِيَاسِ بِشَرَائِطِهَا وَأَحْكَامِهَا وَأَقْسَامِهَا وَالْمَقْبُولِ مِنْهَا وَالْمَرْدُودِ وَكُلُّ ذَلِكَ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِنْبَاطِ الصَّحِيحِ وَكَانَ الْأَوْلَى ذِكْرُ الْإِجْمَاعِ أَيْضًا إذْ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَمَعْرِفَةِ مَوَاقِعِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>