للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْهَا وَيَنْقَسِمُ عَلَيْهَا كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرِ فَاسْتِحْقَاقُ الشُّفْعَةِ غَيْرُ مُتَوَلِّدٍ مِنْ الدَّارِ الْمَشْفُوعِ بِهَا بَلْ هُوَ ثَابِتٌ بِهَا لَا مِنْهَا، فَلَا تَنْقَسِمُ عَلَيْهَا.

(بَابُ الِاجْتِهَادِ شَرْطُهُ أَنْ يَحْوِيَ عِلْمَ الْكِتَابِ بِمَعَانِيهِ لُغَةً وَشَرْعًا وَأَقْسَامَهُ الْمَذْكُورَةَ، وَعِلْمَ السُّنَّةِ مَتْنًا وَسَنَدًا، وَوُجُوهَ الْقِيَاسِ كَمَا ذَكَرْنَا. وَحُكْمُهُ غَلَبَةُ الظَّنِّ عَلَى احْتِمَالِ الْخَطَأِ فَالْمُجْتَهِدُ عِنْدَنَا يُخْطِئُ وَيُصِيبُ، وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ عِنْدَنَا فِي كُلِّ حَادِثَةٍ حُكْمًا مُعَيَّنًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَعِنْدَهُمْ لَا بَلْ الْحُكْمُ مَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُ كُلِّ مُجْتَهِدٍ، فَإِذَا اجْتَهَدُوا فِي حَادِثَةٍ فَالْحُكْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فِي حَقِّ كُلِّ

ــ

[التلويح]

لِئَلَّا يُخَالِفَهُ فِي اجْتِهَادِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ الْكَلَامِ لِجَوَازِ الِاسْتِدْلَالِ بِالْأَدِلَّةِ السَّمْعِيَّةِ لِلْجَازِمِ بِالْإِسْلَامِ تَقْلِيدًا، وَلَا عِلْمُ الْفِقْهِ؛ لِأَنَّهُ نَتِيجَةُ الِاجْتِهَادِ وَثَمَرَتُهُ، فَلَا يَتَقَدَّمُهُ إلَّا أَنَّ مَنْصِبَ الِاجْتِهَادِ فِي زَمَانِنَا إنَّمَا يَحْصُلُ بِمُمَارَسَةِ الْفُرُوعِ فَهِيَ طَرِيقٌ إلَيْهِ فِي هَذَا الزَّمَانِ، وَلَمْ يَكُنْ الطَّرِيقُ فِي زَمَانِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - ذَلِكَ وَيُمْكِنُ الْآنَ سُلُوكُ طَرِيقِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -.

ثُمَّ هَذِهِ الشَّرَائِطُ إنَّمَا هِيَ فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِ الْمُطْلَقِ الَّذِي يُفْتِي فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ، وَأَمَّا الْمُجْتَهِدُ فِي حُكْمٍ دُونَ حُكْمٍ فَعَلَيْهِ مَعْرِفَةُ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ الْحُكْمِ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ.

فَإِنْ قُلْت: لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ جَمِيعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ لِئَلَّا يَقَعَ اجْتِهَادُهُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ مُخَالِفًا لِنَصٍّ، أَوْ إجْمَاعٍ.

قُلْت: بَعْدَ مَعْرِفَةِ جَمِيعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ الْحُكْمِ لَا يُتَصَوَّرُ الذُّهُولُ عَمَّا يَقْتَضِي خِلَافَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ الْحُكْمِ، وَلَا حَاجَةَ إلَى الْبَاقِي. مَثَلًا الِاجْتِهَادُ فِي حُكْمٍ مُتَعَلِّقٍ بِالصَّلَاةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ جَمِيعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِأَحْكَامِ النِّكَاحِ.

(قَوْلُهُ: وَحُكْمُهُ) أَيْ الْأَثَرِ الثَّابِتِ بِالِاجْتِهَادِ غَلَبَةُ الظَّنِّ بِالْحُكْمِ مَعَ احْتِمَالِ الْخَطَأِ، فَلَا يَجْرِي الِاجْتِهَادُ فِي الْقَطْعِيَّاتِ وَفِيمَا يَجِبُ فِيهِ الِاعْتِقَادُ الْجَازِمُ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُصِيبَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمُجْتَهِدِينَ وَاحِدٌ، وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ صُورَةٍ مِنْ الْحَوَادِثِ حُكْمًا مُعَيَّنًا أَمْ الْحُكْمُ مَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُ الْمُجْتَهِدِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَكُونُ الْمُصِيبُ وَاحِدًا وَعَلَى الثَّانِي يَكُونُ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا.

وَتَحْقِيقُ هَذَا الْمَقَامِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الِاجْتِهَادِيَّةَ إمَّا أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ تَعَالَى فِيهَا حُكْمٌ مُعَيَّنٌ قَبْلَ اجْتِهَادِ الْمُجْتَهِدِ، أَوْ لَا يَكُونُ وَحِينَئِذٍ إمَّا أَنْ لَا يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ، أَوْ يَدُلَّ وَذَلِكَ الدَّلِيلُ إمَّا قَطْعِيٌّ، أَوْ ظَنِّيٌّ فَذَهَبَ إلَى كُلِّ احْتِمَالٍ جَمَاعَةٌ فَحَصَلَ أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ:

الْأَوَّلُ: أَنْ لَا حُكْمَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ بَلْ الْحُكْمُ مَا أَدَّى إلَيْهِ رَأْيُ الْمُجْتَهِدِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَامَّةُ الْمُعْتَزِلَةِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلَى اسْتِوَاءِ الْحُكْمَيْنِ فِي الْحَقِّيَّةِ وَبَعْضُهُمْ إلَى كَوْنِ أَحَدِهِمَا أَحَقَّ، وَقَدْ يُنْسَبُ ذَلِكَ إلَى الْأَشْعَرِيِّ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ الْحُكْمُ بِالْمَسْأَلَةِ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ وَإِلَّا فَالْحُكْمُ قَدِيمٌ عِنْدَهُ.

الثَّانِي: أَنَّ الْحُكْمَ مُعَيَّنٌ، وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بَلْ الْعُثُورُ عَلَيْهِ بِمَنْزِلَةِ الْعُثُورِ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>