صَادِرًا عَنْ الْعَقْلِ بِلَا سَهْوٍ وَغَفْلَةٍ، وَلَمْ يُعْتَبَرْ أَنَّهُ رُبَّمَا يَسْهُو فِي وَقْتٍ مَا وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: أَنَّ دَوَامَ الْعَمَلِ بِالْعَقْلِ إلَخْ. وَإِنَّمَا لَمْ نُقِمْ الْبُلُوغَ مَقَامَ الْيَقَظَةِ حَتَّى أَبْطَلْنَا عِبَارَاتِ النَّائِمِ وَكَذَا لَمْ نُقِمْ الْبُلُوغَ مَقَامَ الرِّضَى فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الرِّضَى كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ إذْ لَا حَرَجَ فِي دَرْكِ الْيَقَظَةِ، وَالرِّضَا وَلَا يُحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ الدَّلِيلِ مَقَامَهُمَا فَإِنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْأُمُورَ الْخَفِيَّةَ الَّتِي يَتَعَذَّرُ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا تُقِيمُ مَا هُوَ دَلِيلٌ عَلَيْهَا مَقَامَهَا كَالسَّفَرِ مَقَامَ الْمَشَقَّةِ أَمَّا الْأُمُورُ الظَّاهِرَةُ فَلَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْيَقَظَةَ، وَالرِّضَى دَفْعًا لِشُبْهَةِ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ: قَامَ الْبُلُوغُ مَقَامَ
ــ
[التلويح]
كَانَ حَرَامًا كَالْإِكْرَاهِ عَلَى قَتْلِ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ يُؤْجَرُ عَلَى التَّرْكِ فِي الْحَرَامِ، وَالرُّخْصَةِ، وَيَأْثَمُ فِي الْفَرْضِ، وَالْمُبَاحِ، وَكُلٌّ مِنْ الْأَجْرِ، وَالْإِثْمِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ تَعَلُّقِ الْخِطَابِ، وَالْمُرَادُ بِالْإِبَاحَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْفِعْلُ، وَلَوْ تَرَكَهُ وَصَبَرَ حَتَّى قُتِلَ لَمْ يَأْثَمْ وَلَمْ يُؤْجَرْ، وَبِالرُّخْصَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْفِعْلُ لَكِنْ لَوْ صَبَرَ حَتَّى قُتِلَ يُؤْجَرُ عَمَلًا بِالْعَزِيمَةِ، وَبِهَذَا يَسْقُطُ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالْإِبَاحَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الْفِعْلُ، وَلَوْ تَرَكَهُ، وَصَبَرَ حَتَّى قُتِلَ لَا يَأْثَمُ فَهُوَ مَعْنَى الرُّخْصَةِ، وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ يَأْثَمُ، وَهُوَ مَعْنَى الْفَرْضِ، وَقَالَ الْإِمَامُ الْبُرْغَرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إنَّ فِعْلَ الْمُكْرَهِ مُبَاحٌ كَالْقَتْلِ، وَالزِّنَا، وَفَرْضٌ كَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَأَكْلِ الْمَيْتَةِ، وَمُرَخَّصٌ لَهُ كَإِجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ، وَالْإِفْطَارِ، وَإِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ، وَلَعَلَّ فَخْرَ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ كَلِمَةِ الْكُفْرِ، وَالْإِفْطَارِ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا قَبْلَ الْإِكْرَاهِ حَيْثُ تَسْقُطُ حُرْمَةُ الْإِفْطَارِ بِالْعُذْرِ كَالسَّفَرِ، وَالْمَرَضِ بِخِلَافِ حُرْمَةِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ فَإِنَّهَا لَا تَسْقُطُ قَبْلَ الْإِكْرَاهِ بِحَالٍ.
(قَوْلُهُ: وَلَا الِاخْتِيَارُ) أَيْ: الْإِكْرَاهُ، وَلَا يُنَافِي الِاخْتِيَارَ؛ لِأَنَّهُ حَمْلٌ لِلْفَاعِلِ عَلَى أَنْ يَخْتَارَ مَا هُوَ أَهْوَنُ عِنْدَ الْحَامِلِ، وَأَرْفَقُ لَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ مَا هُوَ أَيْسَرُ عَلَى الْفَاعِلِ مِنْ الْقَتْلِ، وَالضَّرْبِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا أُكْرِهَ بِهِ. (قَوْلُهُ: وَأَصْلُ الشَّافِعِيِّ) أَيْ: الْقَاعِدَةُ الَّتِي قَرَّرَهَا الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي بَابِ الْإِكْرَاهِ: هُوَ أَنَّ الْإِكْرَاهَ إمَّا أَنْ يَحْرُمَ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ، وَهُوَ الْإِكْرَاهُ بِغَيْرِ حَقٍّ أَوْ لَا، وَهُوَ الْإِكْرَاهُ بِحَقٍّ، وَالثَّانِي لَا يُقْطَعُ الْحُكْمُ عَنْ فِعْلِ الْفَاعِلِ كَإِكْرَاهِ الْحَرْبِيِّ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَيَصِحُّ إسْلَامُهُ بِخِلَافِ إكْرَاهِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحَقٍّ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «اُتْرُكُوهُمْ وَمَا يَدِينُونَ» ، وَالْأَوَّلُ إمَّا أَنْ يَكُونَ عُذْرًا شَرْعِيًّا أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ عُذْرًا شَرْعِيًّا بِأَنْ يَحِلَّ لِلْفَاعِلِ عَلَى الْإِقْدَامِ عَلَى الْفِعْلِ، فَهُوَ يَقْطَعُ الْحُكْمَ عَنْ فِعْلِ الْفَاعِلِ سَوَاءٌ أُكْرِهَ عَلَى قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ الْقَوْلِ بِقَصْدِ الْمَعْنَى، وَصِحَّةَ الْحُكْمِ بِاخْتِيَارِهِ، وَالْإِكْرَاهُ يُفْسِدُ الْقَصْدَ، وَالِاخْتِيَارَ، وَأَيْضًا نِسْبَةُ الْحُكْمِ لِلْفَاعِلِ بِلَا رِضَاهُ إلْحَاقُ الضَّرَرِ بِهِ، وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ؛ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ مُحْتَرَمُ الْحُقُوقِ، وَالْعِصْمَةُ تَقْتَضِي أَنْ يُدْفَعَ عَنْهُ الضَّرَرُ بِدُونِ رِضَاهُ لِئَلَّا يَفُوتَ حُقُوقُهُ بِدُونِ اخْتِيَارِهِ، ثُمَّ إذَا قُطِعَ الْحُكْمُ عَنْ الْفَاعِلِ فَإِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute