للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعْتِدَالِ الْعَقْلِ لَوَقَعَ طَلَاقُ النَّائِمِ وَلَقَامَ الْبُلُوغُ مَقَامَ الرِّضَا فِيمَا يَعْتَمِدُ عَلَى الرِّضَا ثُمَّ عَطَفَ عَلَى قَوْلِهِ، وَيَقَعُ طَلَاقُهُ، قَوْلَهُ (وَإِذَا جَرَى الْبَيْعُ عَلَى لِسَانِهِ) أَيْ: لِسَانِ الْخَاطِئِ (خَطَأً وَصَدَّقَهُ خَصْمُهُ يَكُونُ كَبَيْعِ الْمُكْرَهِ) .

(وَأَمَّا الَّذِي مِنْ غَيْرِهِ فَالْإِكْرَاهُ) هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ الْعَوَارِضِ الْمُكْتَسَبَةِ (وَهُوَ إمَّا مُلْجِئٌ بِأَنْ يَكُونَ بِفَوْتِ النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ وَهَذَا مُعْدِمٌ لِلرِّضَا وَمُفْسِدٌ لِلِاخْتِيَارِ وَإِمَّا غَيْرُ مُلْجِئٍ بِأَنْ يَكُونَ بِحَبْسٍ أَوْ قَيْدٍ أَوْ ضَرْبٍ وَهَذَا مُعْدِمٌ لِلرِّضَا غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلِاخْتِيَارِ، وَالْإِكْرَاهُ بِهِمَا لَا يُنَافِي الْأَهْلِيَّةَ وَلَا الْخِطَابَ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ عَلَيْهِ إمَّا فَرْضٌ) كَمَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ بِالْقَتْلِ (أَوْ مُبَاحٌ) كَمَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْإِفْطَارِ

ــ

[التلويح]

أَمْكَنَ نِسْبَةُ الْفِعْلِ إلَى الْحَامِلِ أَيْ: الْمُكْرِهُ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى إتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ نُسِبَ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بَطَلَ الْفِعْلُ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى الْإِقْرَارِ، وَسَائِرِ الْأَقْوَالِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرًا شَرْعِيًّا بِأَنْ لَا يَحِلَّ لَهُ إقْدَامٌ عَلَى الْفِعْلِ كَمَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْقَتْلِ أَوْ الزِّنَا لَا يُقْطَعُ الْحُكْمُ عَنْ الْفَاعِلِ حَتَّى يَجِبَ الْقِصَاصُ، وَالْحَدُّ عَلَى الْقَاتِلِ، وَالزَّانِي مُكْرَهَيْنِ.

(قَوْلُهُ: وَطَلَاقُ الْمُولِي) بِالضَّمِّ اسْمُ الْفَاعِلِ مِنْ الْإِيلَاءِ يَعْنِي: لَوْ أُكْرِهَ الْمُولِي عَلَى التَّطْلِيقِ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ فَطَلَّقَ، وَقَعَ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ التَّفْرِيقَ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ كَامْرَأَةِ الْعِنِّينِ بَعْدَ الْحَوْلِ فَإِذَا امْتَنَعَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ الْإِكْرَاهُ حَقًّا، وَأَمَّا قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَالْإِكْرَاهُ بَاطِلٌ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ. (قَوْلُهُ: وَالْإِكْرَاهُ بِالْقَتْلِ، وَالْحَبْسِ عِنْدَهُ) أَيْ: الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ فِي الْحَبْسِ ضَرَرًا كَالْقَتْلِ، وَالْعِصْمَةُ تَقْتَضِي دَفْعَ الضَّرَرِ قَالَ الْإِمَامُ مُحْيِي السُّنَّةِ: الْإِكْرَاهُ أَنْ يُخَوِّفَهُ بِعُقُوبَةٍ تَنَالُ مِنْ بَدَنِهِ لَا طَاقَةَ لَهُ بِهَا، وَكَانَ الْمَخُوفُ مِمَّنْ يُمْكِنُ تَحْقِيقُ مَا يُخَوِّفُ بِهَا، فَيَدْخُلُ فِيهِ الْقَتْلُ وَالضَّرْبُ الْمُبَرِّحُ وَقَطْعُ الْعُضْوِ وَتَخْلِيدُ السِّجْنِ لَا إذْهَابُ الْجَاهِ، وَإِتْلَافُ الْمَالِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ.

(قَوْلُهُ: وَأَصْلُنَا) يَعْنِي: أَنَّ الْأَصْلَ الْمُقَرَّرَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، وَأَصْحَابِهِ: أَنَّ الْإِكْرَاهَ إنْ كَانَ مُلْجِئًا، وَعَارَضَ اخْتِيَارَ الْفَاعِلِ اخْتِيَارٌ صَحِيحٌ مِنْ الْحَامِلِ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُكْرَهُ عَلَيْهِ مِنْ قَبِيلِ الْأَقْوَالِ أَوْ مِنْ قَبِيلِ الْأَفْعَالِ فَإِنْ كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْأَقْوَالِ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَنْفَسِخُ كَالطَّلَاقِ، كَانَ نَافِذًا، وَإِلَّا كَانَ فَاسِدًا كَالْبَيْعِ، وَالْأَقَارِيرِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْأَفْعَالِ فَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْ كَوْنَ الْفَاعِلِ آلَةً لِلْحَامِلِ كَالزِّنَا كَانَ مُقْتَصِرًا عَلَى الْفَاعِلِ، وَإِنْ احْتَمَلَ فَإِنْ لَزِمَ مِنْ جَعْلِهِ آلَةَ تَبْدِيلِ مَحَلِّ الْجِنَايَةِ كَانَ مُقْتَصِرًا عَلَى الْفَاعِلِ كَإِكْرَاهِ الْمُحْرِمِ عَلَى قَتْلِ الصَّيْدِ، وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ نُسِبَ إلَى الْحَامِلِ ابْتِدَاءً كَالْإِكْرَاهِ عَلَى إتْلَافِ الْمَالِ أَوْ النَّفْسِ، وَالْمُرَادُ بِالْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ مَا يَكُونُ التَّخْوِيفُ بِالْقَتْلِ دُونَ الْحَبْسِ أَوْ الضَّرْبِ، وَمَعْنَى إفْسَادِهِ الِاخْتِيَارَ أَنَّ الْإِنْسَانَ مَجْبُولٌ عَلَى حُبِّ حَيَاتِهِ، وَذَلِكَ يَحْمِلُهُ عَلَى الْإِقْدَامِ عَلَى مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ، فَيَفْسُدُ اخْتِيَارُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>