الْقِيَاسِ) لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ لَا تَقَوُّمَ بِلَا إحْرَازٍ (فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ) فَيَشْمَلُ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يُقَاسُ تَقَوُّمُ الْمَنَافِعِ فِي الْغَصْبِ عَلَى تَقَوُّمِهَا فِي الْعَقْدِ، وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يُقَاسُ كَوْنُ الْمَنَافِعِ مُقَابَلًا بِالْمَالِ فِي الْغَصْبِ عَلَى كَوْنِهَا مُقَابَلًا بِالْمَالِ فِي الْعَقْدِ.
(لِهَذَا) أَيْ لِكَوْنِهِ التَّقَوُّمَ فِي الْعَقْدِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى بُطْلَانِ الْقِيَاسِ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ، وَقَوْلُهُ (وَلِلْفَارِقِ أَيْضًا، وَهُوَ الرِّضَا) دَلِيلٌ عَلَى بُطْلَانِ الْقِيَاسِ بِالْمَعْنَى الثَّانِي (فَإِنَّ لَهُ أَثَرًا فِي إيجَابِ الْمَالِ مُقَابَلًا بِغَيْرِ الْمَالِ، وَلَا يَضْمَنُ الشَّاهِدُ بِعَفْوِ الْوَلِيِّ الْقِصَاصَ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِهِ، ثُمَّ رَجَعَ) هَذَا تَفْرِيعٌ آخَرُ عَلَى قَوْلِهِ، وَمَا لَا يُعْقَلُ لَهُ مِثْلٌ لَا يُقْضَى إلَّا بِنَصٍّ، وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ شَهِدَ شَاهِدَانِ بِعَفْوِ الْوَلِيِّ عَنْ الْقِصَاصِ فَقَضَى الْقَاضِي بِالْعَفْوِ، ثُمَّ رَجَعَا عَنْ الشَّهَادَةِ لَمْ يَضْمَنَا (وَلَا غَيْرُ وَلِيِّ الْقَتِيلِ إذَا قَتَلَ الْقَاتِلَ) أَيْ لَا يَضْمَنُ غَيْرُ وَلِيِّ الْقَتِيلِ إذَا قَتَلَ الْقَاتِلَ؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ، وَقَاتِلَ الْقَتِيلِ لَمْ يُفَوِّتُوا لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ شَيْئًا إلَّا اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ، وَهُوَ مَعْنًى لَا يُعْقَلُ لَهُ مِثْلٌ.
(، وَالْقَضَاءُ الشَّبِيهُ بِالْأَدَاءِ كَالْقِيمَةِ فِيمَا إذَا أَمْهَرَ عَبْدًا غَيْرَ
ــ
[التلويح]
لِأَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ اشْرَبْ عَلَى سَبِيلِ الْإِلْزَامِ أَمْرٌ لُغَةً، وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ أَحْسَنَ الْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ مُوجِبَاتِ الْأَمْرِ بِمَعْنَى أَنَّهُ ثَبَتَ بِالْأَمْرِ أَوْ مِنْ مَدْلُولَاتِهِ بِمَعْنَى أَنَّهُ ثَبَتَ بِالْعَقْلِ، وَالْأَمْرُ دَلِيلٌ عَلَيْهِ، وَمُعَرِّفٌ لَهُ فَالْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَبْلَ تَفْصِيلِ الْمَذَاهِبِ، وَالدَّلَائِلِ أَجْمَلَ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ الْحُسْنِ سَوَاءٌ ثَبَتَ بِنَفْسِ الْأَمْرِ أَوْ بِالْعَقْلِ قَبْلَهُ قَالَ فِي الْمِيزَانِ، وَعِنْدَنَا لَمَّا كَانَ لِلْعَقْلِ حَظٌّ فِي مَعْرِفَةِ حُسْنِ بَعْضِ الْمَشْرُوعَاتِ كَالْإِيمَانِ، وَأَصْلِ الْعِبَادَاتِ كَانَ الْأَمْرُ دَلِيلًا، وَمُعَرِّفًا لِمَا ثَبَتَ حُسْنُهُ فِي الْعَقْلِ، وَمُوجِبًا لِمَا لَمْ يُعَرِّفْ بِهِ.
(قَوْلُهُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ) يَعْنِي مَسْأَلَةَ الْحُسْنِ، وَالْقُبْحِ مِنْ أُمَّهَاتِ مَسَائِلِ أُصُولِ الْفِقْهِ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ أَبْوَابِهِ بَابُ الْأَمْرِ، وَالنَّهْيِ، وَهُوَ يَقْتَضِي حُسْنَ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَقُبْحَ النَّهْيِ عَنْهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَحْثِ عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ مَبَاحِثُ مِنْ أَنَّ الْحُسْنَ حُسْنٌ لِنَفْسِهِ أَوْ لِغَيْرِهِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ (قَوْلُهُ وَمِنْ مُهِمَّاتِ مَبَاحِثِ الْمَعْقُولِ، وَالْمَنْقُولِ) يَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ عِلْمَ الْأُصُولِ فَإِنَّهُ جَامِعٌ بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ، وَأَنْ يُرِيدَ بِالْمَعْقُولِ الْكَلَامَ، وَبِالْمَنْقُولِ الْفِقْهَ فَإِنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ كَلَامِيَّةٌ مِنْ جِهَةِ الْبَحْثِ عَنْ أَفْعَالِ الْبَارِي تَعَالَى هَلْ تَتَّصِفُ بِالْحُسْنِ، وَهَلْ تَدْخُلُ الْقَبَائِحُ تَحْتَ إرَادَتِهِ، وَمَشِيئَتِهِ، وَهَلْ تَكُونُ بِخَلْقِهِ، وَمَشِيئَتِهِ، وَأُصُولِيَّةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا بَحْثٌ عَنْ أَنَّ الْحُكْمَ الثَّابِتَ بِالْأَمْرِ يَكُونُ حَسَنًا، وَمَا تَعَلَّقَ بِهِ النَّهْيُ يَكُونُ قَبِيحًا ثُمَّ إنَّ مَعْرِفَتَهُمَا أَمْرٌ مُهِمٌّ فِي عِلْمِ الْفِقْهِ لِئَلَّا يُثْبِتَ بِالْأَمْرِ مَا لَيْسَ بِحَسَنٍ، وَبِالنَّهْيِ مَا لَيْسَ بِقَبِيحٍ.
(قَوْلُهُ، وَمَعَ ذَلِكَ) زِيَادَةُ تَحْرِيضٍ عَلَى شِدَّةِ الِاهْتِمَامِ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَعْنَى أَنَّهَا أَصْلٌ لِفُرُوعٍ كَثِيرَةٍ، وَفَرْعٌ لِأَصْلٍ عَمِيقٍ صَعْبِ الِاطِّلَاعِ عَلَيْهِ مُتَعَسِّرِ الْوُصُولِ إلَيْهِ، وَبَوَادِي مَسْأَلَةِ الْجَبْرِ، وَالْقَدَرِ الْمُدْرِكَاتُ الَّتِي تُطْلَبُ فِيهَا الطُّرُقُ الْمُوَصِّلَةُ إلَيْهَا، وَمَبَادِيهَا الْمُقَدِّمَاتُ الْمُتَرَتِّبَةُ بِالْقُوَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute