مُعَيَّنٍ فَإِنَّهَا قَضَاءٌ حَقِيقَةً لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ مَجْهُولًا مِنْ حَيْثُ الْوَصْفُ ثَبَتَ الْعَجْزُ) أَيْ عَنْ أَدَاءِ الْأَصْلِ، وَهُوَ تَسْلِيمُ الْعَبْدِ (فَوَجَبَ الْقِيمَةُ فَكَأَنَّهَا أَصْلٌ، وَلَمَّا كَانَ) أَيْ الْأَصْلُ، وَهُوَ الْعَبْدُ (مَعْلُومًا مِنْ حَيْثُ الْجِنْسُ يَجِبُ هُوَ) أَيْ الْأَصْلُ، وَهُوَ الْعَبْدُ (فَيُخَيَّرُ بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الْقِيمَةِ، وَأَيُّهُمَا أَدَّى تُجْبَرُ عَلَى الْقَبُولِ) ، وَأَيْضًا الْوَاجِبُ مِنْ الْأَصْلِ الْوَسَطُ، وَذَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقِيمَةِ فَصَارَتْ أَصْلًا مِنْ وَجْهٍ فَقَضَاؤُهَا يُشْبِهُ الْأَدَاءَ.
(فَصْلٌ: لَا بُدَّ لِلْمَأْمُورِ بِهِ مِنْ الْحُسْنِ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أُمَّهَاتِ مَسَائِلِ الْأُصُولِ، وَمُهِمَّاتِ مَبَاحِثِ الْمَعْقُولِ، وَالْمَنْقُولِ، وَمَعَ ذَلِكَ هِيَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَسْأَلَةِ الْجَبْرِ، وَالْقَدَرِ الَّذِي زَلَّتْ فِي بِوَادِيهَا أَقْدَامُ الرَّاسِخِينَ، وَضَلَّتْ فِي مَبَادِيهَا أَفْهَامُ الْمُتَفَكِّرِينَ، وَغَرِقَتْ فِي بِحَارِهَا عُقُولُ الْمُتَبَحِّرِينَ، وَحَقِيقَةُ الْحَقِّ فِيهَا أَعْنِي الْحَقَّ بَيْنَ طَرَفَيْ الْإِفْرَاطِ، وَالتَّفْرِيطِ سِرٌّ مِنْ أَسْرَارِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهَا إلَّا خَوَاصُّ عِبَادِهِ، وَهَا أَنَا
ــ
[التلويح]
الْفِكْرِيَّةِ لِلْوُصُولِ إلَيْهَا، وَبِحَارُهَا مَا وَصَلَ إلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ بِقُوَّةِ فِكْرِهِ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ مُجَاوَزَتَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَمَنْ زَلَّ قَدَمُهُ فِي الْبَوَادِي أَوْ ضَلَّ فَهْمُهُ فِي الْمَبَادِي فَقَدْ يُرْجَى عَوْدُهُ إلَى طَرِيقِ الْحَقِّ أَوْ اعْتِرَافُهُ بِالْعَجْزِ، وَمَنْ غَرِقَ فِي بَحْرِهِ، وَلَمْ يَنْتَبِهْ لِلْخَطَأِ فِي مُقَدِّمَاتِهِ فَقَدْ هَلَكَ.
(قَوْلُهُ: وَحَقِيقَةُ الْحَقِّ) الْجَبْرُ إفْرَاطٌ فِي تَفْوِيضِ الْأُمُورِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِحَيْثُ يَصِيرُ الْعَبْدُ بِمَنْزِلَةِ جَمَادٍ لَا إرَادَةَ لَهُ، وَلَا اخْتِيَارَ، وَالْقَدَرُ تَفْرِيطٌ فِي ذَلِكَ بِحَيْثُ يَصِيرُ الْعَبْدُ خَالِقًا لِأَفْعَالِهِ مُسْتَقِلًّا فِي إيجَادِ الشُّرُورِ، وَالْقَبَائِحِ، وَكِلَاهُمَا بَاطِلٌ، وَالْحَقُّ أَيْ الثَّابِتُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَهُوَ إلْحَاقُ أَيْ الْوَسَطُ بَيْنَ الْإِفْرَاطِ، وَالتَّفْرِيطِ عَلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ حَيْثُ قَالَ: لَا جَبْرَ، وَلَا تَفْوِيضَ، وَلَكِنْ أَمْرٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ، وَحَقِيقَةُ الْحَقِّ احْتِرَازٌ عَنْ مَجَازِهِ أَيْ عَمَّا يُشْبِهُ الْحَقَّ، وَلَيْسَ بِحَقٍّ.
(قَوْلُهُ وَقَّفْتُ) أَيْ جَعَلْتُ وَاقِفًا عَلَيْهِ، وَوَفَّقْتُ أَيْ جَعَلْتُ الْأَسْبَابَ مُتَوَافِقَةً لِإِيرَادِهِ فَالْأَوَّلُ مِنْ التَّوْقِيفِ، وَالثَّانِي مِنْ التَّوْفِيقِ (قَوْلُهُ اعْلَمْ أَنَّ الْعُلَمَاءَ) تَحْرِيرٌ لِلْمَبْحَثِ، وَتَلْخِيصٌ لِمَحَلِّ النِّزَاعِ عَلَى مَا هُوَ الْوَاجِبُ فِي الْمُنَاظَرَةِ فَكُلٌّ مِنْ الْحُسْنِ، وَالْقُبْحِ يُطْلَقُ عَلَى ثَلَاثِ مَعَانٍ فَبِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ: الْحُلْوُ حَسَنٌ، وَالْمُرُّ قَبِيحٌ، وَبِالثَّانِي الْعِلْمُ حَسَنٌ، وَالْجَهْلُ قَبِيحٌ، وَبِالثَّالِثِ الطَّاعَةُ حَسَنَةٌ، وَالْمَعْصِيَةُ قَبِيحَةٌ، وَمَعْنَى كَوْنِ الشَّيْءِ مُتَعَلِّقَ الْمَدْحِ أَوْ الذَّمِّ أَوْ الثَّوَابِ أَوْ الْعِقَابِ شَرْعًا نَصَّ الشَّارِعُ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى دَلِيلِهِ، وَهُوَ لَا يُنَافِي جَوَازَ الْعَفْوِ، وَلِذَا قَالُوا كَوْنُهُ مُتَعَلَّقَ الْعِقَابِ، وَلَمْ يَقُولُوا كَوْنُهُ بِحَيْثُ يُعَاقَبُ عَلَيْهِ، وَمَحَلُّ الْخِلَافِ هُوَ الثَّالِثُ، وَعِنْدَ الْمُعْتَزِلَةِ الْأَفْعَالُ حَسَنَةٌ، وَقَبِيحَةٌ لِذَوَاتِهَا، أَوْ لِصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهَا فَمِنْهَا مَا هُوَ ضَرُورِيٌّ كَحُسْنِ الصِّدْقِ النَّافِعِ، وَقُبْحِ الْكَذِبِ الضَّارِّ، وَمِنْهَا مَا هُوَ نَظَرِيٌّ كَحُسْنِ الْكَذِبِ النَّافِعِ، وَقُبْحِ الصِّدْقِ الضَّارِّ، وَمِنْهَا مَا لَا يُدْرَكُ إلَّا بِالشَّرْعِ كَحُسْنِ صَوْمِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَقُبْحِ صَوْمِ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ شَوَّالٍ فَإِنَّهُ مِمَّا لَا سَبِيلَ لِلْعَقْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute