(وَيُطْلَقُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ مَجَازًا) .
(، وَالْقَضَاءُ يَجِبُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ عِنْدَ الْبَعْضِ؛ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ
ــ
[التلويح]
عِنْدِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ احْتِرَازًا عَنْ صَرْفِ دَرَاهِمِ الْغَيْرِ إلَى دَيْنِهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ قَضَاءً، وَلِلْمَالِكِ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا مِنْ رَبِّ الدَّيْنِ، وَكَذَا لَوْ نَوَى أَنْ يَكُونَ ظُهْرَ يَوْمِهِ قَضَاءً مِنْ ظُهْرِ أَمْسِهِ أَوْ عَصْرِهِ قَضَاءً مِنْ ظُهْرِهِ لَا يَصِحُّ مَعَ قُوَّةِ الْمُمَاثَلَةِ بِخِلَافِ صَرْفِ النَّفْلِ مَعَ أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ فِيهِ أَدْنَى فَإِنْ قُلْت: يَدْخُلُ فِي تَعْرِيفِ الْأَدَاءِ الْإِتْيَانُ بِالْمُبَاحِ الَّذِي وَرَدَ بِهِ الْأَمْرُ كَالِاصْطِيَادِ بَعْدَ الْإِحْلَالِ، وَلَا يُسَمَّى أَدَاءً قُلْت: الْمُبَاحُ لَيْسَ بِمَأْمُورٍ بِهِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ فَالثَّابِتُ بِالْأَمْرِ لَا يَكُونُ إلَّا وَاجِبًا أَوْ مَنْدُوبًا، وَلِهَذَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَعْدَ مَا فَسَّرَ الْأَدَاءَ بِتَسْلِيمِ عَيْنِ الْوَاجِبِ بِالْأَمْرِ، وَقَدْ يَدْخُلُ فِي الْأَدَاءِ قِسْمٌ آخَرُ، هُوَ النَّفَلُ عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ الْأَمْرَ حَقِيقَةً فِي الْإِبَاحَةِ، وَالنَّدْبِ يَعْنِي أَنَّ الْأَدَاءَ، وَالْقَضَاءَ مِنْ أَقْسَامِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَإِنْ جُعِلَ الْأَمْرُ اسْمًا لِلطَّلَبِ الْجَازِمِ كَمَا هُوَ رَأْيُ الْبَعْضِ اخْتَصَّ الْأَدَاءُ بِالْوَاجِبِ، وَلِهَذَا جَعَلْنَاهُ مِنْ أَقْسَامِ مُوجِبِ الْأَمْرِ، وَإِنْ جُعِلَ اسْمًا لِلطَّلَبِ جَازِمًا كَانَ أَوْ رَاجِحًا عَلَى التَّرْكِ أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ دَخَلَ فِي الْمَأْمُورِ بِهِ الْوَاجِبُ، وَالْمَنْدُوبُ، وَالْمُبَاحُ فَيَكُونُ الْإِتْيَانُ بِالنَّفْلِ، وَهُوَ مَا يُثَابُ فَاعِلُهُ، وَلَا يُسِيءُ تَارِكُهُ، وَهَذَا مَعْنَى الْمَنْدُوبِ أَدَاءً فَيُفَسَّرُ بِتَسْلِيمِ عَيْنِ الْوَاجِبِ أَوْ الْمَنْدُوبِ، وَلَا يَخْتَصُّ بِمُوجِبِ الْأَمْرِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِلْمُبَاحِ إذْ لَيْسَ فِي الْعُرْفِ إطْلَاقُ الْأَدَاءِ عَلَيْهِ كَالِاصْطِيَادِ مَثَلًا إلَّا مَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْكَشْفِ مِنْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُسَمَّى أَدَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِكَوْنِ الْأَمْرِ حَقِيقَةً لِلنَّدْبِ، وَالْإِبَاحَةِ بِأَنَّ الْكُلَّ مُوجِبُ الْأَمْرِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّ مَعْنَى كَلَامِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ هُوَ أَنَّهُ قَدْ يَدْخُلُ فِي الْأَدَاءِ قِسْمٌ آخَرُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُ صِيغَةَ الْأَمْرِ حَقِيقَةً فِي الْإِبَاحَةِ، وَالنَّدْبِ أَيْ يَجْعَلُهَا مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْوُجُوبِ، وَالْإِبَاحَةِ، وَالنَّدْبِ لَفْظًا أَوْ يَجْعَلُهَا مَوْضُوعَةً لِلْإِذْنِ فِي الْفِعْلِ فَيَكُونُ حَقِيقَةً فِي كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِعْلُ الْمُبَاحِ أَيْضًا أَدَاءً لَاكْتَفَى بِقَوْلِ مَنْ يَجْعَلُهَا حَقِيقَةً فِي الْوُجُوبِ، وَالنَّدْبِ بِاعْتِبَارِ الِاشْتِرَاكِ لَفْظًا أَوْ مَعْنًى، وَقَدْ أَطْلَعْنَاك عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ هُنَا لَفْظُ الْأَمْرِ لَا صِيغَتُهُ، وَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى مَا سَبَقَ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي اسْمِ الْأَمْرِ حَقِيقَةً فِي الطَّلَبِ الْجَازِمِ أَوْ مُطْلَقِ الطَّلَبِ جَازِمًا أَوْ رَاجِحًا أَوْ مُسَاوِيًا.
لَكِنَّ التَّحْقِيقَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِي الطَّلَبِ الْجَازِمِ أَوْ الرَّاجِحِ فَيَدْخُلُ فِي الثَّابِتِ بِالْأَمْرِ الْوَاجِبُ وَالْمَنْدُوبُ، وَإِنْ كَانَ صِيغَةُ الْأَمْرِ مَجَازًا فِي النَّدْبِ فِي الْأَحْكَامِ الثَّابِتَةِ بِالْأَلْفَاظِ الْمَجَازِيَّةِ ثَابِتَةً بِالنَّصِّ لَا مَحَالَةَ، وَلَا يَدْخُلُ الْمُبَاحُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ بِالْأَمْرِ إلَّا عَلَى قَوْلِ الْكَعْبِيِّ.
(قَوْلُهُ يُطْلَقُ كُلٌّ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْأَدَاءِ، وَالْقَضَاءِ عَلَى الْآخَرِ مَجَازًا شَرْعِيًّا لِتَبَايُنِ الْمَعْنَيَيْنِ مِنْ اشْتِرَاكِهِمَا فِي تَسْلِيمِ الشَّيْءِ إلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهُ، وَفِي إسْقَاطِ الْوَاجِبِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} [البقرة: ٢٠٠] أَيْ أَدَّيْتُمْ فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute