عُرِفَتْ فِي وَقْتِهَا فَإِذَا فَاتَ شَرَفُ الْوَقْتِ لَا يُعْرَفُ لَهُ مِثْلٌ إلَّا بِنَصٍّ، وَعِنْدَ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا يَجِبُ بِمَا أَوْجَبَ الْأَدَاءَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ بِسَبَبِهِ لَا يَسْقُطُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ، وَلَهُ مِثْلٌ مِنْ عِنْدِهِ يَصْرِفُهُ إلَى مَا عَلَيْهِ فَمَا فَاتَ إلَّا شَرَفُ الْوَقْتِ، وَقَدْ فَاتَ غَيْرَ مَضْمُونٍ إلَّا بِالْإِثْمِ إذَا كَانَ عَامِدًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤] ، وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ» الْحَدِيثَ) قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: ١٨٤] ، وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «مَنْ نَامَ عَلَى صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ وَقْتُهَا» اسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ، وَالْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ شَرَفَ الْوَقْتِ غَيْرُ
ــ
[التلويح]
وَكَقَوْلِك أَدَّيْت الدَّيْنَ، وَنَوَيْت أَدَاءَ ظُهْرِ الْأَمْسِ، وَأَمَّا بِحَسَبِ اللُّغَةِ فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ الْقَضَاءَ حَقِيقَةٌ فِي تَسْلِيمِ الْعَيْنِ وَالْمِثْلِ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ الْإِسْقَاطُ، وَالْإِتْمَامُ، وَالْإِحْكَامُ، وَأَنَّ الْأَدَاءَ مَجَازٌ فِي تَسْلِيمِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ شِدَّةِ الرِّعَايَةِ، وَالِاسْتِقْصَاءِ فِي الْخُرُوجِ عَمَّا لَزِمَهُ، وَذَلِكَ بِتَسْلِيمِ الْعَيْنِ دُونَ الْمِثْلِ
(قَوْلُهُ وَالْقَضَاءُ) لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْقَضَاءَ بِمِثْلٍ غَيْرِ مَعْقُولٍ يَكُونُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْقَضَاءِ بِمِثْلٍ مَعْقُولٍ فَعِنْدَ الْبَعْضِ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ أَيْ نَصٍّ مُبْتَدَأٍ مُغَايِرٍ لِلنَّصِّ الْوَارِدِ بِوُجُوبِ الْأَدَاءِ فَفِي عِبَارَةِ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّبَبِ هَاهُنَا مَا يُعْلَمُ بِهِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ لَا مَا يَثْبُتُ بِهِ الْوُجُودُ كَالْوَقْتِ مَثَلًا، وَإِلَى هَذَا يُشِيرُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي أَثْنَاءِ الدَّلِيلِ، وَعِنْدَ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا كَالْقَاضِي أَبِي زَيْدٍ، وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى الْقَضَاءُ يَجِبُ بِالدَّلِيلِ الَّذِي أَوْجَبَ الْأَدَاءَ احْتَجَّ الْفَرِيقُ الْأَوَّلُ بِأَنَّ إقَامَةَ الْفِعْلِ فِي الْوَقْتِ إنَّمَا عُرِفَتْ قُرْبَةً شَرْعًا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُمْكِنُنَا إقَامَةُ مِثْلِ هَذَا الْفِعْلِ فِي وَقْتٍ آخَرَ مَقَامَهُ بِالْقِيَاسِ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ، وَتَكْبِيرَاتِ التَّشْرِيقِ فَإِنَّ إقَامَةَ الْخُطْبَةِ مَقَامَ رَكْعَتَيْنِ لَيْسَتْ مَشْرُوعَةً فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَكَذَا الْجَهْرُ بِالتَّكْبِيرِ عَقِيبَ الصَّلَوَاتِ فِي غَيْرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: فَإِذَا فَاتَ شَرَفُ الْوَقْتِ لَا يُعْرَفُ لَهُ أَيْ لِلْفِعْلِ الَّذِي عُرِفَ كَوْنُهُ قُرْبَةً مِثْلٌ إلَّا بِنَصٍّ إذْ لَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِي مَقَادِيرِ الْعِبَادَاتِ، وَهَيْئَاتِهَا، وَإِثْبَاتِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَهُمَا لَا يُقَالُ: لَوْ وَجَبَ بِنَصٍّ جَدِيدٍ لَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْوَاجِبِ ابْتِدَاءً فَلَمْ تَصِحَّ تَسْمِيَتُهُ قَضَاءً حَقِيقَةً؛ لِأَنَّا نَقُولُ سُمِّيَ قَضَاءً لِكَوْنِهِ اسْتِدْرَاكًا لِوُجُوبٍ سَابِقٍ بِخِلَافِ الْوَاجِبِ ابْتِدَاءً.
وَاحْتَجَّ الْفَرِيقُ الثَّانِي بِأَنَّ الْفِعْلَ لَمَّا وَجَبَ فِي وَقْتِهِ بِسَبَبِهِ أَيْ بِدَلِيلِهِ الدَّالِّ عَلَيْهِ لَا يَسْقُطُ وُجُوبُهُ لِخُرُوجِ الْوَقْتِ، وَالْحَالُ أَنَّ لِلْفِعْلِ مِثْلًا مِنْ عِنْدِ الْمُكَلَّفِ يَصْرِفُهُ إلَى مَا وَجَبَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ الْوَقْتِ يُقَرِّرُ تَرْكَ الِامْتِثَالِ، وَهُوَ يُقَرِّرُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْعُهْدَةِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ، وَلَهُ مِثْلٌ مِنْ عِنْدِهِ عَنْ الْجُمُعَةِ، وَتَكْبِيرَاتِ التَّشْرِيقِ حَيْثُ لَمْ يُشْرَعْ إقَامَةُ الْخُطْبَةِ مَقَامَ الرَّكْعَتَيْنِ، وَالْجَهْرِ بِالتَّكْبِيرِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْوَقْتِ فَإِنْ قِيلَ: مِنْ جُمْلَةِ الْهَيْئَاتِ وَالْأَوْصَافِ هُوَ الْوَقْتُ، وَلَا قُدْرَةَ عَلَيْهِ قُلْنَا فَيُقْصَرُ الْفَوَاتُ عَلَى مَا تَحَقَّقَ الْعَجْزُ فِي حَقِّهِ، وَهُوَ إدْرَاكُ شَرَفِ الْوَقْتِ، وَيَبْقَى أَصْلُ الْعِبَادَةِ مَقْدُورًا مَضْمُونًا فَيُطَالَبُ بِالْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَتِهِ بِأَنْ يُصْرَفَ إلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute