للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَكِنْ إذَا أَفْطَرَ يَصِيرُ السَّفَرُ شُبْهَةً فِي الْكَفَّارَةِ فَإِذَا سَافَرَ الصَّائِمُ لَا يُفْطِرُ بِخِلَافِ مَا إذَا مَرِضَ لَكِنْ إنْ أَفْطَرَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) أَيْ: الصَّائِمِ الْمُقِيمِ إذَا سَافَرَ، وَأَفْطَرَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ (وَإِذَا أَفْطَرَ ثُمَّ سَافَرَ لَمْ تَسْقُطْ) أَيْ: الْكَفَّارَةُ (بِخِلَافِ مَا إذَا مَرِضَ) ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الصَّحِيحَ إذَا أَفْطَرَ حَكَمْنَا عَلَيْهِ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ لَكِنْ إذَا مَرِضَ فِي هَذَا الْيَوْمِ تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ بِعُرُوضِ الْمَرَضِ أَنَّ الصَّوْمَ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ فِي هَذَا الْيَوْمِ بِخِلَافِ عُرُوضِ السَّفَرِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ اخْتِيَارِيٌّ، وَالْمَرَضُ ضَرُورِيٌّ (وَأَحْكَامُ السَّفَرِ تَثْبُتُ بِالْخُرُوجِ بِالسُّنَّةِ الْمَشْهُورَةِ، وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ السَّفَرُ عِلَّةً) وَالسُّنَّةُ الْمَشْهُورَةُ مَا رُوِيَ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُمْ تَرَخَّصُوا بِرُخَصِ الْمُسَافِرِ بِمُجَاوَزَتِهِمْ الْعُمْرَانَ» ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَثْبُتَ الْقَصْرُ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ السَّفَرِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْعِلَّةِ لَا يَثْبُتُ قَبْلَهَا لَكِنْ تُرِكَ الْقِيَاسُ بِمَا رَوَيْنَا (ثُمَّ إذَا

ــ

[التلويح]

لَكِنَّهُ بِسَبَبِ الْمُبِيحِ فِي الْجُمْلَةِ فَإِنْ قَارَنَ الْإِفْطَارَ كَانَ شُبْهَةً فِي سُقُوطِ الْكَفَّارَةِ، وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا لَمْ يُؤَثِّرْ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ قَدْ وَجَبَتْ بِالْإِفْطَارِ عَنْ صَوْمٍ وَاجِبٍ مِنْ غَيْرِ اقْتِرَانِ شُبْهَةٍ.

(قَوْلُهُ: عَلَى أَنَّ الْمَعْصِيَةَ مُنْفَصِلَةٌ) لَمَّا اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَلَى عَدَمِ كَوْنِ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ مِنْ أَسْبَابِ الرُّخَصِ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الرُّخْصَةَ نِعْمَةٌ، فَلَا تُنَالُ بِالْمَعْصِيَةِ، وَيُجْعَلُ السَّفَرُ مَعْدُومًا فِي حَقِّهَا كَالسُّكْرِ يُجْعَلُ مَعْدُومًا فِي حَقِّ الرُّخَصِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِزَوَالِ الْعَقْلِ لِكَوْنِهِ مَعْصِيَةً، وَثَانِيهِمَا قَوْله تَعَالَى {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ} [البقرة: ١٧٣] فَإِنَّهُ جَعَلَ رُخْصَةَ أَكْلِ الْمَيْتَةِ مَنُوطَةً بِالِاضْطِرَارِ حَالَ كَوْنِ الْمُضْطَرِّ غَيْرَ بَاغٍ أَيْ: خَارِجٍ عَلَى الْإِمَامِ، وَلَا عَادٍ أَيْ: ظَالِمٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِقَطْعِ الطَّرِيقِ، فَيَبْقَى فِي غَيْرِ هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى أَصْلِ الْحُرْمَةِ، وَيَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي سَائِرِ الرُّخَصِ بِالْقِيَاسِ أَوْ بِدَلَالَةِ النَّصِّ أَوْ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ الْفَصْلِ أُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْمَعْصِيَةَ هِيَ الْبَغْيُ، وَالتَّمَرُّدُ، وَالْإِبَاقُ مَثَلًا لَا نَفْسُ السَّفَرِ بَلْ الْمَعْصِيَةُ مُنْفَصِلَةٌ عَنْ السَّفَرِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إذْ قَدْ يُوجَدُ بِدُونِهِ كَالْبَاغِي أَوْ الْآبِقِ الْمُقِيمِ، وَقَدْ يَكُونُ السَّفَرُ مَنْدُوبًا فَتُقْطَعُ الْمَعْصِيَةُ كَمَا إذَا خَرَجَ غَازِيًا فَاسْتَقْبَلَهُ الْغَيْرُ فَقَطَعَ عَلَيْهِمْ الطَّرِيقَ، وَالنَّهْيُ لِمَعْنًى مُنْفَصِلٍ عَنْهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَا يُنَافِي مَشْرُوعِيَّتَهُ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ مَعَ أَنَّ الْمَشْرُوعَ أَصْلٌ، فَلَأَنْ لَا يُنَافِيَ سَبَبِيَّتَهُ لِحُكْمٍ مَعَ أَنَّ السَّبَبَ، وَسِيلَةٌ أَوْلَى، وَأَيْضًا صِفَةُ الْقُرْبَةِ فِي الْمَشْرُوعِ مَقْصُودَةٌ بِخِلَافِ صِفَةِ الْحِلِّ فِي السَّبَبِ؛ لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ، وَمُنَافَاةُ النَّهْيِ لِصِفَةِ الْقُرْبَةِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى الطَّلَبِ وَالْأَمْرِ أَشَدُّ مِنْ مُنَافَاتِهِ لِصِفَةِ الْحِلِّ الثَّابِتِ بِمُجَرَّدِ الْإِبَاحَةِ فَالنَّهْيُ لِمَعْنًى مُنْفَصِلٍ إذَا لَمْ يَمْنَعْ صِفَةَ الْقُرْبَةِ عَنْ الْمَشْرُوعِ، فَلَأَنْ لَا يَمْنَعَ صِفَةَ الْحِلِّ عَنْ السَّبَبِ أَوْلَى، وَهَذَا بِخِلَافِ السُّكْرِ فَإِنَّهُ حَدَثَ مِنْ شُرْبِ الْمُسْكِرِ، وَهُوَ حَرَامٌ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ الْإِثْمَ، وَعَدَمَهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْإِضْرَارِ بَلْ بِالْأَكْلِ فَلَا بُدَّ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>