أَسْبَابِ التَّخْفِيفِ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَسْبَابِ الْمَشَقَّةِ بِخِلَافِ الْمَرَضِ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُ يَضُرُّهُ الصَّوْمُ، وَبَعْضَهُ لَا بَلْ يَنْفَعُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي الصَّلَاةِ فَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْقَصْرُ رُخْصَةٌ وَعِنْدَنَا إسْقَاطٌ لِقَوْلِ عَائِشَةَ فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فَأُقِرَّتْ فِي السَّفَرِ، وَزِيدَتْ فِي الْحَضَرِ وَلِأَنَّ حَدَّ النَّافِلَةَ يَصْدُقُ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ السَّاقِطَتَيْنِ، وَلِتَسْمِيَتِهِ بِالصَّدَقَةِ، وَلِعَدَمِ إفَادَةِ التَّخْيِيرِ عَلَى مَا مَرَّ) أَيْ: فِي فَصْلِ الْعَزِيمَةِ وَالرُّخْصَةِ (وَإِنَّمَا يَثْبُتُ هَذَا الْحُكْمُ) أَيْ: الْقَصْرُ (بِالسَّفَرِ إذَا اتَّصَلَ بِسَبَبِ الْوُجُوبِ) أَيْ: اتَّصَلَ السَّفَرُ بِسَبَبِ الْوُجُوبِ، وَهُوَ الْوَقْتُ، فَيَثْبُتُ الْقَصْرُ فِي الْأَدَاءِ أَمَّا إذَا لَمْ يَتَّصِلْ بِسَبَبِ الْوُجُوبِ بَلْ اتَّصَلَ بِحَالِ الْقَضَاءِ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ (وَلَمَّا كَانَ السَّفَرُ بِالِاخْتِيَارِ قِيلَ: إذَا شَرَعَ الْمُسَافِرُ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ لَا يَحِلُّ لَهُ الْفِطْرُ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ
ــ
[التلويح]
الْأَخِيرَتَيْنِ مِنْ ظُهْرِ الْمُسَافِرِ مَثَلًا، وَلِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ إنَّ الرَّكْعَتَيْنِ إنَّمَا يَكُونَانِ فَرْضًا إذَا نَوَى الْإِتْمَامَ، وَحِينَئِذٍ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يُذَمُّ تَارِكُهُمَا، الثَّالِثُ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - سَمَّاهَا صَدَقَةً حَيْثُ قَالَ: إنَّهَا صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَةَ اللَّهِ» ، وَالصَّدَقَةُ فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ إسْقَاطٌ لَا غَيْرُ، الرَّابِعُ أَنَّ التَّخْيِيرَ إنَّمَا شُرِعَ فِيمَا يَكُونُ لِلْعَبْدِ فِيهِ يُسْرٌ كَخِصَالِ الْكَفَّارَةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَهَاهُنَا لَا يُسْرَ فِي الْإِكْمَالِ فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّخْيِيرِ، وَقَدْ سَبَقَ ذَلِكَ فِي بَحْثِ الرُّخْصَةِ.
(قَوْلُهُ: وَلَمَّا كَانَ السَّفَرُ بِالِاخْتِيَارِ) يَعْنِي: فَرَّقَ بَيْنَ الْمُسَافِرِ، وَالْمَرِيضِ بِأَنَّ الْمُسَافِرَ إنْ نَوَى صَوْمَ رَمَضَانَ شَرَعَ فِيهِ أَيْ: لَمْ يَفْسَخْهُ قَبْلَ انْفِجَارِ الصُّبْحِ لَا يَجُوزُ لَهُ الْإِفْطَارُ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ فِي الْمَرِيضِ مِمَّا لَا مَدْفَعَ لَهُ فَرُبَّمَا يُتَوَهَّمُ قَبْلَ الشُّرُوعِ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ، وَبَعْدَ الشُّرُوعِ عُلِمَ لُحُوقُ الضَّرَرِ مِنْ حَيْثُ لَا مَدْفَعَ لَهُ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ فَإِنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ الدَّاعِي إلَى الْإِفْطَارِ بِأَنْ لَا يُسَافِرَ، وَلَفْظُ قِيلَ يُوهِمُ أَنَّ هَذَا قَوْلُ الْبَعْضِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ حُكْمٌ بِذَلِكَ، وَكَذَا لَفْظُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قِيلَ لَهُ مَعْنَاهُ حُكْمٌ لِلْمُسَافِرِ، وَأَفْتَى فِي حَقِّهِ، وَضَبْطُ الْمَسَائِلِ فِي هَذَا الْمَقَامِ: أَنَّ الْعُذْرَ، إمَّا أَنْ يَكُونَ قَائِمًا فِي أَوَّلِ الْيَوْمِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ قَائِمًا فَإِنْ تَرَكَ الصَّوْمَ، فَلَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ صَامَ فَإِنْ كَانَ الْعُذْرُ هُوَ الْمَرَضُ يَجُوزُ الْإِفْطَارُ، وَإِنْ كَانَ السَّفَرُ لَمْ يَجُزْ لَكِنْ لَوْ أَفْطَرَ لَمْ تَجِبْ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَائِمًا بَلْ إنَّمَا طَرَأَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الصَّوْمِ، وَالشُّرُوعِ فِيهِ فَإِنْ مَضَى عَلَيْهِ فَذَاكَ، وَإِلَّا فَإِمَّا أَنْ يَطْرَأَ الْعُذْرُ ثُمَّ الْإِفْطَارُ أَوْ بِالْعَكْسِ فَعَلَى الْأَوَّلِ، إنْ كَانَ الْعُذْرُ هُوَ الْمَرَضُ جَازَ الْإِفْطَارُ، وَإِنْ كَانَ السَّفَرُ لَمْ يَجُزْ لَكِنْ لَوْ أَفْطَرَ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَعَلَى الثَّانِي لَمْ يَجُزْ الْإِفْطَارُ أَصْلًا لَكِنْ لَوْ أَفْطَرَ فَفِي الْمَرَضِ تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ، وَفِي السَّفَرِ لَا تَسْقُطُ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ سَمَاوِيٌّ يَتَبَيَّنُ بِهِ أَنَّ الصَّوْمَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ، وَالسَّفَرُ اخْتِيَارِيٌّ يَجِبُ الصَّوْمُ مَعَ طَرَيَانِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute