تُرِيدُ بِالْفَسْخِ دَفْعَ زِيَادَةِ الْمِلْكِ فَإِنَّ طَلَاقَ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ، وَطَلَاقَ الْحُرَّةِ ثَلَاثَةٌ، وَالْجَهْلُ عَدَمٌ أَصْلِيٌّ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا لِلْإِلْزَامِ، وَهَذَا الْفَرْقُ أَحْسَنُ مِنْ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْبِكْرَ قَبْلَ الْبُلُوغِ لَمْ تُكَلَّفْ بِالشَّرَائِعِ لَا سِيَّمَا فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا يَعْرِفُهَا إلَّا أَحْذَقُ الْفُقَهَاءِ حَتَّى يُشْتَرَطَ الْقَضَاءُ ثَمَّةَ لَا هُنَا تَفْرِيعٌ عَلَى أَنَّ فَسْخَ النِّكَاحِ بِخِيَارِ الْبُلُوغِ إلْزَامٌ ضَرُورَةً وَبِخِيَارِ الْعِتْقِ دَفْعُ ضَرَرٍ.
(وَمِنْهَا السُّكْرُ هُوَ وَإِمَّا بِطَرِيقٍ مُبَاحٍ كَسُكْرِ الْمُضْطَرِّ، وَالسُّكْرُ بِدَوَاءٍ، كَالْبَنْجِ، وَالْأَفْيُونِ) وَبِمَا يُتَّخَذُ مِنْ الْحِنْطَةِ أَوْ الشَّعِيرِ أَوْ الْعَسَلِ وَهُوَ كَالْإِغْمَاءِ (يَمْنَعُ صِحَّةَ جَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ حَتَّى الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ وَأَمَّا بِطَرِيقٍ مَحْظُورٍ كَالسُّكْرِ مِنْ شَرَابٍ مُحَرَّمٍ أَوْ مُثَلَّثٍ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَحِلُّ) أَيْ: الْمُثَلَّثُ (بِشَرْطِ أَنْ لَا يُسْكِرَ فَالسُّكْرُ بِهِ يَصِيرُ كَالسُّكْرِ بِالْمُحَرَّمِ فَيُحَدُّ بِهِ) أَيْ: بِالسُّكْرِ مِنْ الْمُثَلَّثِ (وَهُوَ) أَيْ: الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ السُّكْرِ، وَهُوَ السُّكْرُ بِشَرَابٍ مُحَرَّمٍ أَوْ بِالْمُثَلَّثِ (لَا يُنَافِي الْخِطَابَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: ٤٣] فَهَذَا خِطَابٌ مُتَعَلِّقٌ بِحَالِ السُّكْرِ فَهُوَ لَا يُبْطِلُ الْأَهْلِيَّةَ أَصْلًا، فَيَلْزَمُهُ كُلُّ الْأَحْكَامِ، وَتَصِحُّ عِبَارَاتُهُ وَإِنَّمَا يَنْعَدِمُ بِهِ الْقَصْدُ حَتَّى إنْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ لَا يَرْتَدُّ اسْتِحْسَانًا لِعَدَمِ رُكْنِهِ وَهُوَ الْقَصْدُ كَمَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي، وَأَنَا عَبْدُك فَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ عَكْسُهُ لَا يَرْتَدُّ وَإِذَا أَسْلَمَ يَصِحُّ كَالْمُكْرَهِ وَإِذَا أَقَرَّ بِمَا يَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ كَالزِّنَا، وَشُرْبِ الْخَمْرِ لَا يُحَدُّ حَتَّى يَصْحُوَ فَيُقِرَّ؛ لِأَنَّ السُّكْرَ دَلِيلُ الرُّجُوعِ، وَإِذَا أَقَرَّ بِمَا لَا يَحْتَمِلُهُ كَالْقِصَاصِ وَالْقَذْفِ
ــ
[التلويح]
السَّكْرَانُ إنْ أَسْلَمَ يَصِحُّ تَرْجِيحًا لِجَانِبِ الْإِيمَانِ، وَكَوْنِ الْأَصْلِ هُوَ الِاعْتِقَادُ فَلَوْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ لَا يَرْتَدُّ؛ لِأَنَّ الِاعْتِقَادَ لَا يَرْتَفِعُ إلَّا بِالْقَصْدِ إلَى تَبَدُّلِهِ أَوْ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرًا وَهُوَ التَّكَلُّمُ فِي حَالَةٍ يُعْتَبَرُ فِيهَا الْقَصْدُ، وَهِيَ حَالَةُ الصَّحْوِ، وَهَذَا كَالْمُكْرَهِ يَصِحُّ إسْلَامُهُ، وَلَا يَصِحُّ ارْتِدَادُهُ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ السُّكْرَ دَلِيلُهُ الرُّجُوعُ) إذْ السَّكْرَانُ لَا يَسْتَقِرُّ عَلَى أَمْرٍ فَيُقَامُ مَقَامَ الرُّجُوعِ؛ لِأَنَّ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِمَا لَا يَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ كَالْقِصَاصِ، وَالْقَذْفِ أَوْ بَاشَرَ سَبَبَ الْحَدِّ بِأَنْ زَنَى أَوْ قَذَفَ فِي حَالَةِ السُّكْرِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ أَمَّا فِي الْإِقْرَارِ بِمَا لَا يَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ فَلِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِصَرِيحِ الرُّجُوعِ فَكَيْفَ بِدَلِيلِهِ، وَأَمَّا فِي الْمُبَاشَرَةِ فَلِأَنَّهُ مُعَايِنٌ، فَلَا أَثَرَ لِدَلِيلِ الرُّجُوعِ لَكِنْ يُتَوَقَّفُ فِي إقَامَةِ الْحَدِّ إلَى الصَّحْوِ لِيَحْصُلَ الِانْزِجَارُ فَإِنْ قُلْت: السُّكْرُ مُوجِبٌ لِلْحَدِّ فَإِذَا تَحَقَّقَ أَنَّهُ سَكْرَانُ فَمَا مَعْنَى إقْرَارِهِ بِالشُّرْبِ، ثُمَّ تَوَقُّفِ وُجُوبُ الْحَدِّ عَلَى إقْرَارِهِ فِي الصَّحْوِ قُلْت: السُّكْرُ قَدْ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ الشَّرَابِ الْمُحَرَّمِ أَوْ الْمُثَلَّثِ وَالسُّكْرُ مِنْهُمَا قَدْ يَكُونُ بِالشُّرْبِ كُرْهًا أَوْ اضْطِرَارًا، فَيَتَوَقَّفُ الْحَدُّ عَلَى إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ أَوْ الْإِقْرَارِ بِأَنَّهُ شَرِبَ الشَّرَابَ الْمُحَرَّمَ أَوْ الْمُثَلَّثَ طَوْعًا فَيُشْتَرَطُ الْإِقْرَارُ حَالَ الصَّحْوِ.
(قَوْلُهُ: وَزَادَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -) يَعْنِي: اعْتَبَرَ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْحَدِّ السُّكْرَ بِمَعْنَى زَوَالِ الْعَقْلِ بِحَيْثُ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْأَشْيَاءِ، وَلَا يَعْرِفُ الْأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ إذْ لَوْ مَيَّزَ فَفِي السُّكْرِ نُقْصَانٌ، وَفِي النُّقْصَانِ شُبْهَةُ الْعَدَمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute