وَكَذَا جَهْلُ الْمَوْلَى بِجِنَايَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي عُذْرٌ حَتَّى لَوْ بَاعَ الْعَبْدَ الْجَانِيَ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْجِنَايَةِ لَا يَكُونُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَكَذَا جَهْلُ الشَّفِيعِ بِالْبَيْعِ حَتَّى لَوْ بَاعَ الشَّفِيعُ الدَّارَ الْمَشْفُوعَ بِهَا بَعْدَ مَا بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِهَا لَكِنْ قَبْلَ عِلْمِهِ بِبَيْعِهَا لَا يَكُونُ مُسَلِّمًا لِلشُّفْعَةِ، وَالْأَمَةُ الْمَنْكُوحَةُ إذَا جَهِلَتْ أَنَّ الْمَوْلَى أَعْتَقَهَا فَسَكَتَتْ عَنْ فَسْخِ النِّكَاحِ فَجَهْلُهَا عُذْرٌ حَتَّى لَا يَبْطُلَ خِيَارُهَا، وَكَذَا إذَا عَلِمَتْ بِالْإِعْتَاقِ، وَلَكِنْ جَهِلَتْ أَنَّ لَهَا خِيَارَ الْعِتْقِ فَجَهْلُهَا عُذْرٌ حَتَّى لَا يَبْطُلَ خِيَارُهَا وَإِذَا بَلَغَتْ الْبِكْرُ الَّتِي زَوَّجَهَا غَيْرُ الْأَبِ، وَالْجَدِّ جَاهِلَةً بِالنِّكَاحِ فَسَكَتَتْ فَجَهْلُهَا عُذْرٌ فَلَا يَكُونُ سُكُوتُهَا رِضًى أَمَّا إذَا عَلِمَتْ بِالنِّكَاحِ وَجَهِلَتْ بِأَنَّ لَهَا الْخِيَارَ لَا يَكُونُ جَهْلُهَا عُذْرًا حَتَّى يَبْطُلَ خِيَارُهَا إذْ جَهْلُهَا بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لَيْسَ بِعُذْرٍ (لِأَنَّ الدَّلِيلَ مَشْهُورٌ فِي حَقِّهَا) ؛ لِأَنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ وَاجِبٌ عَلَيْهَا فَدَلَائِلُ الشَّرْعِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَشْهُورَةً فِي حَقِّهَا فَبِالْجَهْلِ لَا تُعْذَرُ (وَفِي حَقِّ الْأَمَةِ مَخْفِيٌّ) ؛ لِأَنَّ خِدْمَةَ الْمَوْلَى تُشْغِلُهَا عَنْ التَّعَلُّمِ فَالدَّلِيلُ مَخْفِيٌّ فِي حَقِّهَا فَتُعْذَرُ بِالْجَهْلِ (وَلِأَنَّ الْبِكْرَ تُرِيدُ إلْزَامَ الْفَسْخِ وَالْأَمَةَ تُرِيدُ دَفْعَ زِيَادَةِ الْمِلْكِ) ، هَذَا فَرْقٌ آخَرُ بَيْنَ الْبِكْرِ وَالْأَمَةِ فِي أَنَّ الْأَمَةَ تُعْذَرُ بِالْجَهْلِ لَا الْبِكْرَ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ الْبِكْرَ تُرِيدُ إلْزَامَ الْفَسْخِ عَلَى الزَّوْجِ وَالْمُعْتَقَةَ
ــ
[التلويح]
وَتَحْقِيقُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَالَ فِي مِثْلِ، صَلِّ، وَأَنْتَ صَالِحٌ أَوْ لَا تُصَلِّ، وَأَنْتَ سَكْرَانُ لَيْسَ قَيْدًا لِلْأَمْرِ، وَالنَّهْيِ بَلْ لِلْمَأْمُورِ بِهِ، وَالْمَنْهِيِّ عَنْهُ بِمَعْنَى أَطْلُبُ مِنْكَ صَلَاةً مَقْرُونَةً بِالصَّحْوِ، وَكُفَّ النَّفْسَ عَنْ الصَّلَاةِ الْمَقْرُونَةِ بِالسُّكْرِ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَامِلَ فِي الْحَالِ هُوَ فِعْلُ الْمَذْكُورِ لَا فِعْلُ الطَّلَبِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ} [المائدة: ١] فِيمَنْ جَعَلَهُ حَالًا مِنْ قَوْلِهِ {أَوْفُوا} [المائدة: ١] يَكُونُ قَيْدًا لِلْإِيفَاءِ لَا لِطَلَبِهِ حَتَّى يَلْزَمَ عَدَمُ وُجُوبِ الْإِيفَاءِ عِنْدَ كَوْنِهِمْ مُحِلِّينَ لِلصَّيْدِ أَيْ: مُعْتَرِضِينَ لَهُ فِي الْإِحْرَامِ فَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ خُوطِبُوا فِي حَالَةِ الصَّحْوِ بِأَنْ لَا يَقْرَبُوا الصَّلَاةَ حَالَةَ السُّكْرِ، فَيَلْزَمُ كَوْنُهُمْ مُخَاطَبِينَ أَيْ: مُكَلَّفِينَ بِذَلِكَ حَالَ السُّكْرِ فَلَا يَكُونُ السُّكْرُ مُنَافِيًا لِتَعَلُّقِ الْخِطَابِ، وَوُجُوبِ الِانْتِهَاءِ فَالسُّكْرُ مِنْ الشَّرَابِ الْمُحَرَّمِ أَوْ الْمُثَلَّثِ لَا يُبْطِلُ أَهْلِيَّةَ الْخِطَابِ أَصْلًا لِتَحَقُّقِ الْعَقْلِ، وَالْبُلُوغِ إلَّا أَنَّهُ يَمْنَعُ اسْتِعْمَالَ الْعَقْلِ بِوَاسِطَةِ غَلَبَةِ السُّرُورِ، فَيَلْزَمُهُ جَمِيعُ التَّكَالِيفِ مِنْ الصَّلَاةِ، وَالصَّوْمِ، وَغَيْرِهِمَا، وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْأَدَاءِ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ الْأَدَاءُ، وَتَصِحُّ عِبَارَاتُهُ فِي الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ، وَالْبَيْعِ، وَالْإِقْرَارِ وَتَزْوِيجِ الصِّغَارِ، وَالتَّزَوُّجِ، وَالْإِقْرَاضِ، وَالِاسْتِقْرَاضِ، وَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ سَوَاءٌ شَرِبَ مُكْرَهًا أَوْ طَائِعًا، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْخِطَابِ عَلَى اعْتِدَالِ الْحَالِ، وَقَدْ أُقِيمَ الْبُلُوغُ عَنْ الْعَقْلِ مَقَامَهُ تَيْسِيرًا، وَبِالسُّكْرِ لَا يَفُوتُ إلَّا قُدْرَةُ فَهْمِ الْخِطَابِ بِسَبَبٍ هُوَ مَعْصِيَةٌ فَيُجْعَلُ فِي حُكْمِ الْمَوْجُودِ زَجْرًا لَهُ، وَيَبْقَى التَّكْلِيفُ مُتَوَجِّهًا فِي حَقِّ الْإِثْمِ، وَوُجُوبِ الْقَضَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ كَالنَّوْمِ فَإِنَّهُ يَصْلُحُ عُذْرًا دَفْعًا لِلْحَرَجِ.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا أَسْلَمَ) أَيْ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute