للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانُوا يَقُولُونَ كَيْفَ صَلَاتُنَا إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَبْلَ عِلْمِنَا بِالتَّحْوِيلِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: ١٤٣] أَيْ: صَلَاتَكُمْ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ (وَقِصَّةُ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ) «لَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ قَالَ الصَّحَابَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ بِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ مَاتُوا وَهُمْ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ، وَيَأْكُلُونَ مَالَ الْمَيْسِرِ أَيْ: بَعْدَ التَّحْرِيمِ قَبْلَ بُلُوغِ الْخِطَابِ إلَيْهِمْ؟ فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا} [المائدة: ٩٣] » (فَأَمَّا إذَا انْتَشَرَ التَّبْلِيغُ فِي دِيَارِنَا فَقَدْ تَمَّ التَّبْلِيغُ فَمَنْ جَهِلَ هُنَا يَكُونُ لِتَقْصِيرِهِ كَمَنْ لَمْ يَطْلُبْ الْمَاءَ فِي الْعُمْرَانَاتِ فَتَيَمَّمَ وَكَانَ الْمَاءُ مَوْجُودًا لَا يَصِحُّ، وَكَذَا الْجَهْلُ بِأَنَّهُ وَكِيلٌ أَوْ مَأْذُونٌ) أَيْ: يَكُونُ عُذْرًا (حَتَّى إنْ تَصَرَّفَ لَا يَصِحُّ) أَيْ: مِنْ الْمُوَكِّلِ فَإِنَّ شِرَاءَ الْوَكِيلِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْوَكَالَةِ يَقَعُ عَنْ الْوَكِيلِ وَلَوْ بَاعَ مَالَ الْمُوَكِّلِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْوَكَالَةِ يَتَوَقَّفُ كَبَيْعِ الْفُضُولِيِّ (وَكَذَا جَهْلُ الْوَكِيلِ بِالْعَزْلِ، وَالْمَأْذُونِ بِالْحَجْرِ وَالْمَوْلَى بِجِنَايَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي، وَالشَّفِيعِ بِالْبَيْعِ وَالْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ بِالْإِعْتَاقِ أَوْ بِالْخِيَارِ وَالْبَكْرِ بِالنِّكَاحِ لَا بِالْخِيَارِ) أَيْ: جَهْلُ الْوَكِيلِ بِالْعَزْلِ وَجَهْلُ الْمَأْذُونِ بِالْحَجْرِ عُذْرٌ حَتَّى إنْ تَصَرَّفَا قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْعَزْلِ وَالْحَجْرِ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُمَا

ــ

[التلويح]

الْمُكْتَسَبَةِ السُّكْرُ، وَهِيَ حَالَةٌ تَعْرِضُ لِلْإِنْسَانِ مِنْ امْتِلَاءِ دِمَاغِهِ مِنْ الْأَبْخِرَةِ الْمُتَصَاعِدَةِ إلَيْهِ، فَيَتَعَطَّلُ مَعَهُ عَقْلُهُ الْمُمَيِّزُ بَيْنَ الْأُمُورِ الْحَسَنَةِ، وَالْقَبِيحَةِ، وَالسُّكْرُ حَرَامٌ إجْمَاعًا إلَّا أَنَّ الطَّرِيقَ الْمُفْضِيَ إلَيْهِ قَدْ يَكُونُ مُبَاحًا كَسُكْرِ الْمُضْطَرِّ إلَى شُرْبِ الْخَمْرِ، وَالسُّكْرُ الْحَاصِلُ مِنْ الْأَدْوِيَةِ، وَالْأَغْذِيَةِ الْمُتَّخَذَةِ مِنْ غَيْرِ الْعِنَبِ، وَالْغِذَاءُ مَا يَنْفَعِلُ عَنْ الطَّبِيعَةِ فَتَنْصَرِفُ فِيهِ، وَتُحِيلُهُ إلَى مُشَابَهَةِ الْمُتَغَذِّي، فَيَصِيرُ جُزْءًا مِنْهُ، وَبَدَلًا عَمَّا يَتَحَلَّلُ، وَالدَّوَاءُ مَا يَكُونُ فِيهِ كَيْفِيَّةٌ خَارِجَةٌ عَنْ الِاعْتِدَالِ بِهَا تَنْفَعِلُ الطَّبِيعَةُ عَنْهُ، وَتَعْجِزُ عَنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَقَدْ يَكُونُ مَحْظُورًا كَالسُّكْرِ الْحَاصِلِ مِنْ الْخَمْرِ الَّتِي يَحْرُمُ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا أَوْ مِنْ الْمُثَلَّثِ، وَهُوَ عَصِيرُ الْعِنَبِ إذَا طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ ثُمَّ رُقِّقَ بِالْمَاءِ، وَتُرِكَ حَتَّى اشْتَدَّ يَحِلُّ شُرْبُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ لِاسْتِمْرَاءِ الطَّعَامِ، وَالتَّقَوِّي عَلَى قِيَامِ اللَّيَالِي، وَصِيَامِ الْأَيَّامِ، وَأَمَّا عَلَى قَصْدِ السُّكْرِ فَلَا حَتَّى لَوْ سَكِرَ مِنْهُ يُحَدُّ اتِّفَاقًا، وَأَمَّا نَقِيعُ الزَّبِيبِ، وَهُوَ الْمَاءُ الَّذِي أُلْقِيَ فِيهِ الزَّبِيبُ لِيُخْرِجَ مِنْهُ حَلَاوَتَهُ فَإِنْ لَمْ يُطْبَخْ حَتَّى اشْتَدَّ، وَغَلَا، وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ فَهُوَ حَرَامٌ، وَإِنْ طُبِخَ أَدْنَى طَبْخٍ يَحِلُّ شُرْبُ الْقَلِيلِ مِنْهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ.

(قَوْلُهُ: حَتَّى الطَّلَاقِ، وَالْعَتَاقِ) صَرَّحَ بِذَلِكَ نَفْيًا لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الرَّجُلَ إذَا كَانَ عَالِمًا بِفِعْلِ الْبَنْجِ، فَأَكَلَهُ يَصِحُّ طَلَاقُهُ، وَعَتَاقُهُ.

(قَوْلُهُ: فَهَذَا خِطَابٌ مُتَعَلِّقٌ بِحَالَةِ السُّكْرِ) لَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: ٤٣] قَيْدٌ لِلْخِطَابِ أَعْنِي: لَا تَقْرَبُوا حَتَّى يَلْزَمَ أَنْ يَكُونَ الْخِطَابُ فِي حَالَةِ سُكْرِهِمْ بَلْ هُوَ قَيْدٌ لِمَا تَعَلَّقَ بِهِ خِطَابُ الْمَنْعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>