(لِوُجُودِ الرِّضَى بِالْمُبَاشَرَةِ لَا بِالْحُكْمِ) هَذَا دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِهِ بِمَنْزِلَةِ خِيَارِ الشَّرْطِ فَإِنَّهُ إذَا بِيعَ بِالْخِيَارِ فَالرِّضَى بِالْمُبَاشَرَةِ حَاصِلٌ لَا بِالْحُكْمِ وَهُوَ الْمِلْكُ (فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ) كَمَا فِي الْخِيَارِ الْمُؤَبَّدِ (لَكِنْ لَا يَمْلِكُ بِالْقَبْضِ فِيهِ لِعَدَمِ الرِّضَى بِالْحُكْمِ) هَذَا اسْتِدْرَاكٌ عَنْ قَوْلِهِ، فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ فَإِنَّ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ يَثْبُتُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ (فَإِنْ نَقَضَهُ أَحَدُهُمَا انْتَقَضَ، وَإِنْ أَجَازَاهُ فِي الثَّلَاثِ جَازَ) أَيْ: إنْ أَجَازَاهُ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَيْ: يَنْقَلِبُ جَائِزَ الِارْتِفَاعِ الْمُفْسَدُ، كَمَا فِي الْخِيَارِ الْمُؤَبَّدِ (إلَّا إنْ أَجَازَ أَحَدُهُمَا) ؛ لِأَنَّهُ كَخِيَارِ الشَّرْطِ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ، فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِمَا (وَعِنْدَهُمَا لَا يُشْتَرَطُ فِي الثَّلَاثِ) أَيْ: عِنْدَهُمَا لَا تَنْتَهِي الْإِجَازَةُ بِالثَّلَاثَةِ فَكُلَّمَا أَجَازَاهُ جَازَ الْبَيْعُ كَمَا فِي الْخِيَارِ الْمُؤَبَّدِ (وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ لَا يَحْضُرَهُمَا شَيْءٌ) أَيْ: لَمْ يَقَعْ فِي خَاطِرَيْهِمَا وَقْتَ الْعَقْدِ أَنَّهُمَا بَنَيَا عَلَى الْمُوَاضَعَةِ أَوْ أَعْرَضَا (أَوْ اخْتَلَفَا فِي الْإِعْرَاضِ، وَالْبِنَاءِ يَصِحُّ الْعَقْدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَمَلًا بِالْعَقْدِ وَهُوَ
ــ
[التلويح]
وَالرِّضَى بِهَا) يَعْنِي: أَنَّ الْهَازِلَ يَتَكَلَّمُ بِصِيغَةِ الْعَقْدِ مَثَلًا بِاخْتِيَارِهِ، وَرِضَاهُ لَكِنَّهُ لَا يَخْتَارُ ثُبُوتَ الْحُكْمِ، وَلَا يَرْضَاهُ الِاخْتِيَارُ هُوَ الْقَصْدُ إلَى الشَّيْءِ، وَإِرَادَتُهُ، وَالرِّضَى هُوَ إيثَارُهُ، وَاسْتِحْسَانُهُ فَالْمُكْرَهُ عَلَى الشَّيْءِ مَثَلًا يَخْتَارُ ذَلِكَ، وَلَا يَرْضَاهُ، وَمِنْ هَاهُنَا قَالُوا: إنَّ الْمَعَاصِيَ، وَالْقَبَائِحَ بِإِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَرْضَاهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى إنَّ اللَّهَ {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: ٧] .
(قَوْلُهُ: وَهِيَ) أَيْ: التَّصَرُّفَاتُ إمَّا إنْشَاءَاتٌ أَوْ إخْبَارَاتٌ أَوْ اعْتِقَادَاتٌ؛ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ إنْ كَانَ إحْدَاثَ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَإِنْشَاءٌ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ الْقَصْدُ مِنْهَا إلَى بَيَانِ الْوَاقِعِ فَإِخْبَارَاتٌ، وَإِلَّا فَاعْتِقَادَاتٌ، وَالْإِنْشَاءُ إمَّا أَنْ يَحْتَمِلَ الْفَسْخَ أَوْ لَا، وَالْأَوَّلُ إمَّا أَنْ يَتَوَاضَعَ الْمُتَعَاقِدَانِ عَلَى أَصْلِ الْعَقْدِ أَوْ الثَّمَنِ بِحَسَبِ قَدْرِهِ أَوْ جِنْسِهِ، وَعَلَى التَّقَادِيرِ الثَّلَاثَةِ إمَّا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنْ الْهَزْلِ، وَالْمُوَاضَعَةِ أَوْ عَلَى بِنَاءِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَحْضُرَهُمَا شَيْءٌ، وَإِمَّا أَنْ لَا يَتَّفِقَا عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ إمَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَحَدُهُمَا الْإِعْرَاضَ، وَالْآخَرُ الْبِنَاءَ أَوْ عَدَمَ حُضُورِ شَيْءٍ أَوْ يَدَّعِيَ أَحَدُهُمَا الْبِنَاءَ، وَالْآخَرُ عَدَمَ حُضُورِ شَيْءٍ، وَأَحْكَامُ الْأَقْسَامِ بَعْضُهَا مَشْرُوحٌ فِي الْكِتَابِ، وَبَعْضُهَا مَتْرُوكٌ لِانْسِيَاقِ الذِّهْنِ إلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: لِعَدَمِ الرِّضَى بِالْحُكْمِ) لَوْ قَالَ لِعَدَمِ اخْتِيَارِ الْحُكْمِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ الْمَانِعُ عَنْ الْمِلْكِ لَا عَدَمُ الرِّضَا كَالْمُشْتَرِي مِنْ الْمُكْرَهِ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ بِالْقَبْضِ لِوُجُودِ الِاخْتِيَارِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ الرِّضَا.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ نَقَضَهُ) أَيْ: الْعَقْدَ الَّذِي اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ أَحَدُهُمَا أَيْ: أَحَدُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ انْتَقَضَ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ وِلَايَةَ النَّقْضِ لَكِنَّ الصِّحَّةَ تَتَوَقَّفُ عَلَى اخْتِيَارِهِمَا جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ الْخِيَارِ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ فَإِجَازَةُ أَحَدِهِمَا لَا تُبْطِلُ خِيَارَ الْآخَرِ، وَقَدَّرَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مُدَّةَ الْخِيَارِ بِثَلَاثَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute