أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ الْمُوَاضَعَةِ الَّتِي لَمْ تَتَّصِلْ بِهِ) أَيْ: بِالْعَقْدِ (لَا عِنْدَهُمَا) أَيْ: لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ عِنْدَهُمَا (فَاعْتَبَرَ الْعَادَةَ) تَحْقِيقُ الْمُوَاضَعَةِ مَا أَمْكَنَ (عَلَى أَنَّ الْمُوَاضَعَةَ أَسْبَقُ، قُلْنَا: الْأَخِيرُ نَاسِخٌ) أَيْ: الْأَخِيرُ وَهُوَ الْعَقْدُ نَاسِخٌ لِلْمُوَاضَعَةِ السَّابِقَةِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَمْ يَمْضِ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ بَقِيَ بِالتَّقْسِيمِ الْعَقْلِيِّ قِسْمَانِ لَمْ يُذْكَرَا وَهُمَا: إذَا أَعْرَضَ أَحَدُهُمَا وَقَالَ الْآخَرُ: لَمْ يَحْضُرْنِي شَيْءٌ، أَوْ بَنَى أَحَدُهُمَا وَقَالَ الْآخَرُ: لَمْ يَحْضُرْنِي شَيْءٌ فَعَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ الْحُضُورِ كَالْإِعْرَاضِ وَعَلَى أَصْلِهِمَا كَالْبِنَاءِ (وَإِمَّا أَنْ يَتَوَاضَعَا عَلَى الْبَيْعِ بِأَلْفَيْنِ عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ أَلْفٌ فَهُمَا يَعْمَلَانِ بِالْمُوَاضَعَةِ إلَّا فِي صُورَةِ إعْرَاضِهِمَا وَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَعْمَلُ بِظَاهِرِ الْعَقْدِ فِي الْكُلِّ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبِنَاءِ هُنَا، وَثَمَّةَ أَنَّ الْعَمَلَ بِالْمُوَاضَعَةِ هُنَا
ــ
[التلويح]
أَيَّامٍ اعْتِبَارًا بِالْخِيَارِ الْمُؤَبَّدِ حَتَّى يَتَقَرَّرَ الْفَسَادُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ الِاخْتِيَارُ مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ النَّقْضُ، وَإِنَّمَا قَالَ فِي الثَّلَاثِ دُونَ الثَّلَاثَةِ اعْتِبَارًا بِاللَّيَالِيِ.
(قَوْلُهُ: عَمَلًا بِالْعَقْدِ) يَعْنِي: أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَقْدِ الشَّرْعِيِّ اللُّزُومُ، وَالصِّحَّةُ حَتَّى يَقُومَ الْمُعَارِضُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا شُرِعَ لِلْمِلْكِ، وَالْجِدُّ هُوَ الظَّاهِرُ فِيهِ فَاعْتِبَارُ الْعَقْدِ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ الْمُوَاضَعَةِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ فِي الصُّورَتَيْنِ أَعْنِي: صُورَةَ الِاتِّفَاقِ عَلَى أَنْ لَمْ يَحْضُرْهُمَا شَيْءٌ، وَالِاخْتِلَافُ فِي الْإِعْرَاضِ، وَالْبِنَاءِ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِأَنْ يَبْنِيَا عَلَى الْمُوَاضَعَةِ كَيْ لَا يَكُونَ الِاشْتِغَالُ بِهَا عَيْنًا فَإِنَّهُمَا إنَّمَا تَوَاضَعَا لِلْبِنَاءِ عَلَيْهِ صَوْنًا لِلْمَالِ عَنْ يَدِ الْمُتَغَلِّبِ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَقْدِ الصِّحَّةُ، وَاللُّزُومُ، وَالْمُعَارِضُ بِأَنَّ الْمُوَاضَعَةَ سَابِقَةٌ، وَالسَّبْقُ مِنْ أَسْبَابِ التَّرْجِيحِ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الْعَقْدَ مُتَأَخِّرٌ، وَالْمُتَأَخِّرُ يَصْلُحُ نَاسِخًا لِلْمُتَقَدِّمِ إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ مَا يُغَيِّرُهُ كَمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى الْبِنَاءِ، وَهَاهُنَا لَمْ يَتَحَقَّقْ الْمُغَيِّرُ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَدَّعِي عَدَمَ الْمُضِيِّ فَالْعَقْدُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ أَصْلَهُ الْجِدُّ، وَاللُّزُومُ مِنْ غَيْرِ تَحَقُّقِ مُعَارِضٍ يَكُونُ نَاسِخًا لِلْمُوَاضَعَةِ السَّابِقَةِ.
(قَوْلُهُ: فَعَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ الْحُضُورِ كَالْإِعْرَاضِ) عَمَلًا بِالْعَقْدِ، فَيَصِحُّ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَعَلَى أَصْلِهِمَا عَدَمُ الْحُضُورِ كَالْبِنَاءِ تَرْجِيحًا لِلْمُوَاضَعَةِ بِالْعَادَةِ، وَالسَّبْقِ فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ فِي شَيْءٍ مِنْ الصُّورَتَيْنِ، وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ صُورَةِ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَنْ لَمْ يَحْضُرْهُمَا شَيْءٌ فَإِنَّهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِمَنْزِلَةِ الْإِعْرَاضِ وَعِنْدَهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْبِنَاءِ، وَهَاهُنَا بَحْثٌ، وَهُوَ أَنَّ انْحِصَارَ الْأَقْسَامِ فِي السِّتَّةِ إنَّمَا هُوَ عَلَى تَقْدِيرِ اعْتِبَارِ الِاتِّفَاقِ، وَالِاخْتِلَافِ فِي نَفْسِ الْإِعْرَاضِ، وَالْبِنَاءِ، وَالذُّهُولِ أَيْ: عَدَمِ الْحُضُورِ، وَأَمَّا عَلَى تَقْدِيرِ اعْتِبَارِهِمَا فِي ادِّعَاءِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عَلَى مَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَالْأَقْسَامُ ثَمَانِيَةٌ، وَسَبْعُونَ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إمَّا أَنْ يَتَّفِقَا أَوْ يَخْتَلِفَا فَإِنْ اتَّفَقَا فَالِاتِّفَاقُ إمَّا عَلَى إعْرَاضِهِمَا، وَإِمَّا عَلَى بِنَائِهِمَا، وَإِمَّا عَلَى ذُهُولِهِمَا، وَإِمَّا عَلَى بِنَاءِ أَحَدِهِمَا، وَإِعْرَاضِ الْآخَرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute