للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَجْعَلُ قَبُولَ أَحَدِهِمَا الْأَلْفَيْنِ شَرْطًا لِوُقُوعِ الْبَيْعِ بِالْآخَرِ، فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ وَقَدْ جَدَّا فِي أَصْلِ الْعَقْدِ فَهُوَ أَوْلَى بِالتَّرْجِيحِ مِنْ الْوَصْفِ) .

أَيْ: أَصْلُ الْعَقْدِ أَوْلَى بِالتَّرْجِيحِ مِنْ الْوَصْفِ فَإِنَّ اعْتِبَارَ أَصْلِ الْعَقْدِ يُوجِبُ الصِّحَّةَ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ جَدَّا فِي أَصْلِ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا الْهَزْلُ فِي مِقْدَارِ الثَّمَنِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْوَصْفِ فَإِنْ اُعْتُبِرَ الْمُوَاضَعَةُ وَالْهَزْلُ فِي الْوَصْفِ حَتَّى يَصِحَّ الْعَقْدُ بِالْأَلْفِ يَلْزَمُ فَسَادُ الْعَقْدِ كَمَا بَيَّنَّا فِي الْمَتْنِ (وَأَمَّا أَنْ يَتَوَاضَعَا عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ جِنْسٌ آخَرُ فَالْعَمَلُ بِالْعَقْدِ اتِّفَاقًا وَالْفَرْقُ لَهُمَا بَيْنَ هَذَا وَالْمُوَاضَعَةِ فِي الْقَدْرِ أَنَّ الْعَمَلَ بِهَا مَعَ صِحَّةِ الْعَقْدِ مُمْكِنٌ ثَمَّةَ لَا هُنَا، وَالْهَزْلُ بِأَحَدِ الْأَلْفَيْنِ ثَمَّةَ شَرْطٌ لَا طَالِبَ لَهُ فَلَا يَفْسُدُ) وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا جَوَابًا عَمَّا ذُكِرَ أَنَّهُ يَجْعَلُ قَبُولَ أَحَدِ الْأَلْفَيْنِ شَرْطًا لِوُقُوعِ الْبَيْعِ بِالْآخَرِ، وَإِنَّمَا قَالَ إنَّهُ لَا طَالِبَ لَهُ لِاتِّفَاقِ

ــ

[التلويح]

أَوْ ذُهُولِهِ، وَإِمَّا عَلَى إعْرَاضِ أَحَدِهِمَا، وَذُهُولِ الْآخَرِ فَصُوَرُ الِاتِّفَاقِ سِتٌّ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فَدَعْوَى أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ يَكُونُ إمَّا إعْرَاضُهُمَا، وَإِمَّا بِنَاؤُهُمَا، وَإِمَّا ذُهُولُهُمَا، وَإِمَّا بِنَاؤُهُ مَعَ إعْرَاضِ الْآخَرِ أَوْ ذُهُولُهُ، وَإِمَّا إعْرَاضُهُ مَعَ بِنَاءِ الْآخَرِ أَوْ ذُهُولِهِ، وَإِمَّا ذُهُولُهُ مَعَ بِنَاءِ الْآخَرِ أَوْ إعْرَاضُهُ يَصِيرُ تِسْعَةً، وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ مِنْ التَّقَادِيرِ التِّسْعَةِ يَكُونُ اخْتِلَافُ الْخَصْمِ بِأَنْ يَدَّعِيَ إحْدَى الصُّوَرِ الثَّمَانِيَةِ الْبَاقِيَةِ فَتَصِيرَ أَقْسَامُ الِاخْتِلَافِ اثْنَيْنِ، وَسَبْعِينَ حَاصِلَةً مِنْ ضَرْبِ التِّسْعَةِ فِي الثَّمَانِيَةِ، وَلَا خَفَاءَ فِي أَنَّ تَمَسُّكَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَقْدِ الصِّحَّةُ، وَتَمَسُّكَهُمَا بِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِتَحْقِيقِ الْمُوَاضَعَةِ السَّابِقَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي دَعْوَى الْإِعْرَاضِ، وَالْبِنَاءِ مَثَلًا، وَأَمَّا إذَا اتَّفَقَا عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْإِعْرَاضِ، وَالْبِنَاءِ بِأَنْ يُقِرَّ كِلَاهُمَا بِإِعْرَاضِ أَحَدِهِمَا، وَبِنَاءِ الْآخَرِ فَلَا قَائِلَ بِالصِّحَّةِ، وَاللُّزُومِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ.

(قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْبِنَاءِ هُنَا، وَثَمَّةَ) يَعْنِي: إذَا وَقَعَتْ الْمُوَاضَعَةُ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ، وَبَنَيَا عَلَيْهَا، فَأَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَعْتَبِرُ الْمُوَاضَعَةَ السَّابِقَةَ، وَيَحْكُمُ بِلُزُومِ الْأَلْفَيْنِ لَا الْأَلْفِ الْمُتَوَاضَعِ عَلَيْهِ، وَقَدْ كَانَ يَعْتَبِرُ الْبِنَاءَ عَلَى الْمُوَاضَعَةِ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ، وَيَحْكُمُ بِفَسَادِ الْعَقْدِ، وَثُبُوتِ الْخِيَارِ، فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْبِنَاءِ هُنَا أَيْ: فِي صُورَةِ الْمُوَاضَعَةِ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ، وَالْبِنَاءُ ثَمَّةَ أَيْ: فِي صُورَةِ الْمُوَاضَعَةِ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ، وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْمُوَاضَعَةَ السَّابِقَةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ إذَا لَمْ يُوجَدْ مَا يُعَارِضُهَا، وَيُدَافِعُهَا، وَهَاهُنَا قَدْ وُجِدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا لَوْ اُعْتُبِرَتْ يَلْزَمُ فَسَادُ الْعَقْدِ لِتَوَقُّفِ انْعِقَادِهِ عَلَى شَرْطٍ لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ، وَفِيهِ نَفْعٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَهُوَ قَبُولُ الْعَقْدِ فِيمَا لَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي الْعَقْدِ كَأَحَدِ الْأَلْفَيْنِ فِي صُورَةِ الْبَيْعِ بِأَلْفَيْنِ، وَالْمُوَاضَعَةُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ أَلْفًا، وَلَوْ قُلْنَا بِفَسَادِ الْعَقْدِ يَلْزَمُ تَرْجِيحُ الْوَصْفِ عَلَى الْأَصْلِ؛ لِأَنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ قَدْ جَدَّا فِي أَصْلِ الْعَقْدِ، فَيَلْزَمُ صِحَّتُهُ، وَإِنَّمَا هَزَلَا فِي الثَّمَنِ الَّذِي هُوَ، وَصْفٌ لِكَوْنِهِ وَسِيلَةً لَا مَقْصُودًا فَلَوْ

<<  <  ج: ص:  >  >>