الْمُتَعَاقِدَيْنِ عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ أَلْفٌ لَا أَلْفَانِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلشَّرْطِ طَالِبٌ لَا يَفْسُدُ كَمَا إذَا اشْتَرَى حِمَارًا عَلَى أَنْ يَحْمِلَهُ حَمْلًا خَفِيفًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ لِعَدَمِ الطَّالِبِ لَكِنَّ الْجَوَابَ لِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الشَّرْطَ فِي مَسْأَلَتِنَا وَقَعَ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَهُوَ الطَّالِبُ لَكِنْ لَا يُطَالَبُ هُنَا لِلْمُوَاضَعَةِ وَعَدَمُ الطَّلَبِ بِوَاسِطَةِ الرِّضَا لَا يُفِيدُ الصِّحَّةَ كَالرِّضَى بِالرِّبَا ثُمَّ عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ وَإِمَّا أَنْ يَحْتَمِلَ النَّقْضَ قَوْلُهُ: (وَإِمَّا أَنْ لَا يَحْتَمِلَ النَّقْضَ فَمِنْهُ مَا لَا مَالَ فِيهِ وَهُوَ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَالْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ وَالْيَمِينِ، وَالنَّذْرِ وَكُلُّهُ صَحِيحٌ، وَالْهَزْلُ بَاطِلٌ لِقَوْلِهِ
ــ
[التلويح]
اعْتَبَرْنَاهُ، وَحَكَمْنَا بِفَسَادِ الْعَقْدِ لَزِمَ إهْدَارُ الْأَصْلِ لِاعْتِبَارِ الْوَصْفِ، وَهُوَ بَاطِلٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَوْلِ بِصِحَّةِ الْعَقْدِ، وَلُزُومِ الْأَلْفَيْنِ اعْتِبَارًا لِلتَّسْمِيَةِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ اعْتِبَارَ الْمُوَاضَعَةِ فِي الثَّمَنِ، وَتَصْحِيحَ أَصْلِ الْعَقْدِ مُتَنَافِيَانِ، وَقَدْ ثَبَتَ الثَّانِي تَرْجِيحًا لِلْأَصْلِ، فَيَنْتَفِي الْأَوَّلُ، وَبِهَذَا يَخْرُجُ الْجَوَابُ عَمَّا يُقَالُ: إنَّهُمَا قَصَدَا بِذِكْرِ الْأَلْفِ الْآخَرِ السُّمْعَةَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُحْتَاجَ إلَى اعْتِبَارِهِ فِي تَصْحِيحِ الْعَقْدِ فَكَانَ ذِكْرُهُ، وَالسُّكُوتُ عَنْهُ سَوَاءً كَمَا فِي النِّكَاحِ.
(قَوْلُهُ: وَالْفَرْقُ لَهُمَا) يَعْنِي: إذَا وَقَعَتْ الْمُوَاضَعَةُ فِي جِنْسِ الثَّمَنِ بِأَنْ بَاعَ بِمِائَةِ دِينَارٍ، وَقَدْ تَوَاضَعَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ، وَاللَّازِمُ مِائَةُ دِينَارٍ، وَسَوَاءٌ بَنَيَا عَلَى الْمُوَاضَعَةِ أَوْ عَرَضَا أَوْ لَمْ يَحْضُرْهُمَا شَيْءٌ أَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَقَدْ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ مِنْ عَدَمِ اعْتِبَارِ الْمُوَاضَعَةِ تَرْجِيحًا لِلْأَصْلِ، وَتَصْحِيحًا لِلْعَقْدِ بِمَا سَمَّيَا مِنْ الْبَدَلِ ضَرُورَةَ افْتِقَارِهِ إلَى تَسْمِيَةِ الْبَدَلِ، وَأَمَّا أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى فَقَدْ احْتَجَّا إلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُوَاضَعَةِ فِي جِنْسِ الثَّمَنِ، وَالْمُوَاضَعَةِ فِي قَدْرِهِ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعَمَلَ بِالْمُوَاضَعَةِ مَعَ صِحَّةِ الْبَيْعِ مُمْكِنٌ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مُمْكِنٌ فِي صُورَةِ الْبِنَاءِ لَا يَصِحُّ بِدُونِ تَسْمِيَةِ الْبَدَلِ فَإِذَا اُعْتُبِرَتْ الْمُوَاضَعَةُ كَانَ الْبَدَلُ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَهُوَ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي الْعَقْدِ، وَالْمَذْكُورُ فِي الْعَقْدِ يَكُونُ مِائَةَ دِينَارٍ، وَهِيَ غَيْرُ الْبَدَلِ بِخِلَافِ الْمُوَاضَعَةِ فِي الْقَدْرِ فَإِنَّهُ يُمْكِنُ تَصْحِيحُ الْبَيْعِ مَعَ اعْتِبَارِهَا بِأَنْ يَنْعَقِدَ بِالْأَلْفِ الْمَوْجُودِ فِي الْأَلْفَيْنِ.
(قَوْلُهُ: وَإِمَّا أَنْ يَحْتَمِلَ النَّقْضَ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ إمَّا أَنْ يَحْتَمِلَ النَّقْضَ، وَفِي الْكَلَامِ خَلَلٌ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ أَمَّا الْإِنْشَاءَاتُ فَإِمَّا أَنْ يَحْتَمِلَ النَّقْضَ أَوْ لَا فَذَكَرَ الْمَعْطُوفَ، وَالْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ جَمِيعًا، ثُمَّ قَالَ فَمَا يَحْتَمِلُهُ كَالْبَيْعِ فَكَانَ الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ هَا هُنَا، وَمَا لَا يَحْتَمِلُهُ أَيْ: النَّقْضُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجْرِي فِيهِ الْفَسْخُ، وَالْإِقَالَةُ فَثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَالٌ بِأَنْ يَثْبُتَ بِدُونِ شَرْطٍ، وَذِكْرٍ أَوْ لَا، وَالْأَوَّلُ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَالُ تَبَعًا أَوْ مَقْصُودًا.
(قَوْلُهُ: وَكُلُّهُ صَحِيحٌ) اسْتَدَلَّ عَلَى صِحَّةِ الْكُلِّ، وَبُطْلَانِ الْهَزْلِ بِالْحَدِيثِ، وَالْمَعْقُولِ أَمَّا الْحَدِيثُ، فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِإِثْبَاتِ صِحَّةِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ فَقَطْ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِإِثْبَاتِ صِحَّتِهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute