للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ويقول ابن تيمية: "فليس لأحد أن يكفر أحداً من المسلمين، وإن أخطأ وغلط حتى تقام عليه الحجة، وتبين له المحجة، ومن ثبت إيمانه بيقين لم يزُل ذلك عنه بالشك، بل لا يزال إلا بعد إقامة الحجة، وإزالة الشبهة". (١)

ومثله في الاحتياط وطلب السلامة من هذه البلية قول ابن عبد البر: "ومن جهة النظر الصحيح الذي لا مدفع له، أن كل من ثبت له عقد الإسلام في وقت بإجماع من المسلمين، ثم أذنب ذنباً أو تأول تأويلاً، فاختلفوا بعد في خروجه من الإسلام لم يكن لاختلافهم بعد إجماعهم معنىً يوجب حجة، ولا يخرج من الإسلام المتفق عليه إلا باتفاق آخر أو سنة ثابتة لا معارض لها، وقد اتفق أهل السنة والجماعة، وهم أهل الفقه والأثر على أن أحداً لا يخرجه ذنبه - وإن عظم - من الإسلام، وخالفهم أهل البدع، فالواجب في النظر أن لا يكفَّر إلا من اتفق الجميع على تكفيره، أو قام على تكفيره دليل لا مدفع له من كتاب أو سنة". (٢)

ويروي ابن نجيم عن الطحاوي وغيره من علماء الحنفية قولهم بأن المسلم لا يخرج من الإسلام إلا بأمر يتيقن كفر صاحبه: " ما تيقن أنه ردة يحكم بها، وما يشك أنه ردة لا يحكم بها، إذ الإسلام الثابت لا يزول بشك، مع أن الإسلام يعلو، وينبغي للعالم إذا رفع إليه هذا أن لا يبادر بتكفير أهل الإسلام". (٣)

ولما كان المكفرون لا يملكون - غالباً - الدليل المتيقن على كفر المخالف، فإنهم يعتمدون القياس في استدلالهم، وهو دليل لا يراه ابن الوزير كافياً في تكفير المشبهة والمجبرة، فإن كثيراً من العلماء لم يكفروهم، ونقل عن الشيخ مختار في كتابه "المجتبى" قوله: "لأن حجة من كفرهم القياس على المشركين المصرحين، وهما [أي أبو الحسين والرازي] قد قدحا في صحة هذا القياس، دع عنك كونه قطعياً، وذلك القدح هو بوجود الفارق الذي يمنع مثله من


(١) مجموع الفتاوى (١٢/ ٥٠١).
(٢) التمهيد (١٧/ ٢١ - ٢٢).
(٣) البحر الرائق (٥/ ١٣٤).

<<  <   >  >>