للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[العذر بالجهل]

أولاً: أدلة العذر بالجهل

شاء الله عز وجل برحمته وعدله أن لا يعذب أحداً إلا وقد قامت عليه حجته تبارك وتعالى، بما أودعه في عباده من العقل وما هداهم إليه من الفطرة.

ولأجل ذلك بعث الله المرسلين وآتاهم الآيات والبينات {رسلاً مبشّرين ومنذرين لئلاّ يكون للنّاس على الله حجّة بعد الرّسل وكان الله عزيزاً حكيماً} (النساء: ١٦٥)، وأما أولئك الذين لم تقم عليهم حجة الله لعدم وصول الرسالة إليهم، فأولئك يرفع الله عنهم - بعدله - عذابه، فيقول: {وما كنّا معذّبين حتّى نبعث رسولاً} (الإسراء: ١٥).

وقد رفع الله الإصر والعذاب عن أولئك الذين لا يقدرون على فهم حجته لعدم أهليتهم لتقبلها وفهمها، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((أربعة يحتجون على الله يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع شيئاً، ورجل أحمق، ورجل هرِم، ورجل مات في فترة)). (١)

وهذا بعض عدل الله ورحمته بعباده، ولكن ماذا عن الجاهل الذي أخطأ لجهله من غير أن يعمد إلى عصيان الله، هل تسعه رحمة الله التي وسعت أولئك؟

والجواب الذي لا يختلف عليه المسلمون: هو أن رحمة الله تسعه كما وسعت غيره، يقول ابن تيمية: " فأما العاجز عن العلم كالمجنون أو العاجز عن العمل فلا أمر عليه ولا نهي، وإذا انقطع العلم ببعض الدين أو حصل العجز عن بعضه كان ذلك في حق العاجز عن العلم أو العمل بقوله كمن انقطع عن العلم بجميع الدين أو عجز عن جميعه، كالمجنون مثلاً .. ". (٢)

وهذا مصداق قول الله: {وما كان الله ليضلّ قوماً بعد إذ هداهم حتّى يبيّن


(١) رواه أحمد ح (١٥٨٦٦)، وصححه الألباني في صحيح الجامع ح (٨٨١).
(٢) مجموع الفتاوى (٢٠/ ٥٩ - ٦٠).

<<  <   >  >>