للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

[التفريق بين فعل الكفر والحكم بكفر الفاعل]

لكن الذين يقعون في تكفير المسلمين لا يرون في فعلهم ما يخالف الاحتياط للدين وإحسان الظن بالمسلم، لأنهم - وحسب رأيهم - لا يكفرون إلا من وقع بما حكم الله ورسوله بكفر فاعله، فسقطت عنه عصمة المسلم وحقوقه، فهم لم يشهدوا عليه بالكفر إلا امتثالاً لحكم الشريعة في فعله أو قوله.

أما الراسخون من علماء الإسلام فإنهم لا يعتبرون الوقوع في الكفر مسوغاً للحكم بكفر المسلم قبل تبين حاله، فإنهم يفرقون بين وصف الفعل بالكفر ووسم فاعله بهذا الحكم، فإن ما ورد في النصوص من إطلاق حكم التكفير على فاعلي بعض الموبقات، لا يعني بالضرورة شمول الحكم كل من تلبس بهذه الموبقة.

والأصل في هذه العاصمة من قاصمة التكفير قصة الرجل الذي جلده النبي - صلى الله عليه وسلم - في الشراب، فأُتي به يوماً، فأمر بجلده، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تلعنه، فو الله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله)). (١)

فهذا رجل ينهى رسول الله عن لعنه، مع أنه - صلى الله عليه وسلم - لعن شاربي الخمر كما في حديث أنس بن مالك: ((لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخمر عشرة: عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشتري لها والمشتراة له)). (٢)

فشارب الخمر ملعون على لسان النبي - صلى الله عليه وسلم -، بينما منع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من لعن هذا المعين.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "فنهى عن لعنه مع إصراره على الشرب، لكونه يحب الله ورسوله، مع أنه لعن في الخمر عشرة ... ولكن لعن المطلق لا


(١) رواه البخاري ح (٧٨٠).
(٢) رواه الترمذي ح (١٢٩٥)، ابن ماجه ح (٣٣٨١)، وأحمد في المسند ح (٢٨٩٢)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه ح (٢٧٢٦).

<<  <   >  >>