للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[العذر بالإكراه]

ومن الموانع التي تمنع تكفير المسلم إذا ارتكب مكفراً الإكراه، إذ قد يكره المسلم على أمر هو من الكفر، لكن لا مخرج منه، فهذا مما يعذر الله به عباده، فإن التكاليف الشرعية منوطة بالاستطاعة، والإكراه أمر خارج عنها، لذا فإن الله لم يكلف به عباده رحمة منه وفضلاً.

ودليل هذه المسألة مقرر في قول الله تعالى: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم} (النحل: ١٠٦).

قال الجصاص: "قال أبو بكر: هذا أصل في جواز إظهار كلمة الكفر في حال الإكراه". (١)

قال ابن حجر: " وأمّا من أكره على ذلك فهو معذور بالآية , لأنّ الاستثناء من الإثبات نفي، فيقتضي أن لا يدخل الذي أكره على الكفر تحت الوعيد .. ". (٢)

ومن أدلة قاعدة العذر بالإكراه أيضاً قوله تعالى: {لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيءٍ إلا أن تتقوا منهم تقاةً ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير} (آل عمران: ٢٨).

قال ابن حجر: "ومعنى الآية: لا يتّخذ المؤمن الكافر وليّاً في الباطن ولا في الظّاهر إلّا للتّقيّة في الظّاهر، فيجوز أن يواليه إذا خافه، ويعاديه باطناً ... ". (٣)

كما عذر الله في التخلف عن الهجرة المستضعفين المكرهين على البقاء في مكة، واستثناهم من أليم عذابه وشديد وعيده، حين قال متوعداً المتخلفين في مكة: {فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً - إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلاً} (النساء: ٩٧ - ٩٨).


(١) أحكام القرآن (٥/ ١٣).
(٢) فتح الباري (٢/ ٣١٢).
(٣) المصدر السابق (٢/ ٣١٣).

<<  <   >  >>