للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وأمام هذه الموبقات التي يرتكبها البعض بقصد أو بدونه تثور حمية الشباب المسلم الذي يتقد حماساً وغَيْرة على دين الله وما هُتك من محارمه، فلا يجد - لفرط الجهل - وسيلة للتغيير والإصلاح إلا العزلة عن مجتمعه لما شاع فيه من المنكر، ثم تكفيره لما وقع فيه البعض من الموبقات أو سُكت فيه عنها.

٤ - قلة العلماء المعتبرين بسبب موتهم أو تقييد حرية البعض مما يؤدي إلى تنامي ظاهرة أنصاف العلماء الذين ليس لهم كبير دراية في فهم النصوص وتنزيل النصوص الشرعية والقواعد العلمية على واقعٍ ما، فتحقيق المناط في الأحكام أمر لا يحسنه كل أحد، وهو الميدان الذي يتمايز فيه العلماء عن الأدعياء، وهؤلاء الأصاغر يفتون في مسائل وقف عندها الأكابر من أهل العلم، وبها يتصدرون المجالس، وهم للأسف يكثرون في آخر الزمان، حيث تُرزأ بهم أمة الإسلام ((إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر)). (١)

يقول ابن قتيبة: "لا يزال الناس بخير ما كان علماؤهم المشايخ، ولم يكن علماؤهم الأحداث، لأن الشيخ قد زالت عنه حِدَّة الشباب ومتعته وعجلته، واستصحب التجربة في أموره، فلا تدخل عليه في علمه الشُّبه، ولا يستميله الهوى، ولا يستزله الشيطان، والحَدَثُ قد تدخل عليه هذه الأمور التي أمنت على الشيخ، فإذا دخلت عليه, وأفتى هلك وأهلك". (٢)

وهكذا مع فساد الزمان وتلاحق الأيام يتحقق في المسلمين ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا)). (٣)

وصدق الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، وهو يحذر من هؤلاء الأغرار: " ما أخاف على هذه الأمة من مؤمن ينهاه إيمانه، ولا من فاسقٍ بين فسقه،


(١) رواه الطبراني في المعجم الأوسط ح (٨١٤٠)، واللالكائي في اعتقاد أهل السنة ح (١٠٢). وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ح (٦٩٥ (.
(٢) نصيحة أهل الحديث للخطيب البغدادي (٩٣).
(٣) رواه البخاري ح (١٠٠)، ومسلم ح (٢٦٧٣).

<<  <   >  >>