للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فظاهره الإسلام، وهو يقين في حقه، لا يرفعه ظنوننا وشكوكنا في دوافعه.

ويقول - صلى الله عليه وسلم - في تقرير هذه القاعدة العظيمة: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله)). (١)

فقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((عصموا مني ... وحسابهم على الله))، شهد لهم في الدنيا بعصمة الدماء والأموال وغيرها من أحكام الإسلام بما أظهروا من الإسلام، والله يتولى حسابهم على ما في قلوبهم في الآخرة.

قال ابن رجب: "وأما في الآخرة فحسابه على الله عز وجل، فإن كان صادقاً أدخله الله بذلك الجنة، وإن كان كاذباً فإنه من جملة المنافقين في الدرك الأسفل من النار". (٢)

وقال القاضي عياض: "فالعصمة مقطوع بها مع الشهادة، ولا ترتفع ويستباح خلافها إلا بقاطع، ولا قاطع [إلا] من شرع، ولا قياس عليه". (٣)

وقال ابن حجر: "أي في أمر سرائرهم .. وفيه دليل على قبول الأعمال الظاهرة والحكم بما يقتضيه الظاهر .. ويؤخذ منه ترك تكفير أهل البدع المقرين بالتوحيد". (٤)

وقال البغوي: "وفي الحديث دليل على أن أمور الناس في معاملة بعضهم بعضاً إنما تجري على الظاهر من أحوالهم دون باطنها، وأن من أظهر شعار الدين أجري عليه حكمه، ولم يكشف عن باطن أمره". (٥)

وفي الصدر الأول من المجتمع الإسلامي وجد المنافقون الذين أظهروا الإيمان تقية وطمعاً، وأبطنوا الكفر الصراح، فسماهم الله إخوان المشركين {ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا} (الحشر: ١١)، وتوعدهم


(١) رواه البخاري ح (٢٥)، ومسلم ح (٢١).
(٢) جامع العلوم والحكم (٨٨).
(٣) الشفا بتعريف حقوق المصطفى (٢/ ٢٧٨).
(٤) فتح الباري (١/ ٧٧).
(٥) شرح السنة (١/ ٧٠).

<<  <   >  >>