للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويقول ابن حزم وهو يذكر صوراً أخرى يفترض أنها تقع من جاهل، فيعذر لجهله: "وأما ما لم تقم الحجة على المخالف للحق في أي شيء كان فلا يكون كافراً إلا أن يأتي نص بتكفيره فيوقف عنده ... فإن قال قائل: فما تقولون فيمن قال: أنا أشهد أن محمداً رسول الله، ولا أدري أهو قرشي أم تميمي أم فارسي، ولا هل كان بالحجاز أو بخراسان، ولا أدري أحي هو أو ميت، ولا أدري لعله هذا الرجل الحاضر أم غيره، قيل له: إن كان جاهلاً لا علم عنده بشيء من الأخبار والسير لم يضره ذلك شيئاً، ووجب تعليمه، فإذا علم وصح عنده الحق، فإن عاند فهو كافر حلال دمه وماله، محكوم عليه بحكم المرتد.

وقد علمنا أن كثيراً ممن يتعاطى الفتيا في دين الله عز وجل، نعم، وكثيراً من الصالحين لا يدري كم لموت النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا أين كان، ولا في أي بلد كان، ويكفيه من كل ذلك إقراره بقلبه ولسانه أن رجلاً اسمه محمد أرسله الله تعالى إلينا بهذا الدين". (١)

ويعذر شيخ الإسلام بالجهل، فلا يوقع حكم الكفر على طوائف من الجهال المقلدين الذين أحسنوا الظن في بعض رؤوس أهل البدع من الباطنية الكفار، وتبعوهم، فيقول: "وأما الجهال الذين يحسنون الظن بقول هؤلاء، ولا يفهمونه، ويعتقدون أنه من جنس كلام المشايخ العارفين الذين يتكلمون بكلام صحيح، لا يفهمه كثير من الناس، فهؤلاء تجد فيهم إسلاماً وإيماناً ومتابعة للكتاب والسنة بحسب إيمانهم التقليدي، وتجد فيهم إقراراً لهؤلاء وإحساناً للظن بهم وتسليماً لهم بحسب جهلهم وضلالهم، ولا يتصور أن يثني على هؤلاء إلا كافر ملحد أو جاهل ضال، وهؤلاء من جنس الجهمية الذين يقولون: إن الله بذاته حال في كل مكان، ولكن أهل وحدة الوجود حققوا هذا المذهب أعظم من تحقيق غيرهم من الجهمية ". (٢)


(١) الفصل (٣/ ٢٩٣).
(٢) مجموع الفتاوى (٢/ ٣٦٧).

<<  <   >  >>