للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والخطأ المعفو عنه على ضروب، فمنه ما هو متعلق بالألفاظ التي لم يقصد قائلها ما أدت إليه من معان مستقبحة، تكفر صاحبها لو أرادها وقصدها.

وفي ذلك أمثلة أصّلت هذه القاعدة الشرعية، منه ما جاء في حديث أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه، وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة، فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته، فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي، وأنا ربك. أخطأ من شدة الفرح)). (١)

قال القاضي عياض: " فيه أنّ ما قاله الإنسان من مثل هذا في حال دهشته وذهوله لا يؤاخذ به .. ويدل على ذلك حكاية النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ذلك، ولو كان منكراً ما حكاه". (٢)

وقال ابن القيم: "وقد تقدَّم أن الذي قال لما وجد راحلته: اللهم أنت عبدي وأنا ربّك. أخطأ من شدّة الفرح، لم يكفر بذلك، وإن أتى بصريح الكفر، لكونه لم يرده". (٣)

وقال ابن حجر في سياق حديثه عن الذي أمر بحرق جسده بعد موته: "ولعلّ هذا الرجل قال ذلك من شدّة جزعه وخوفه كما غلط ذلك الآخر فقال: أنت عبدي وأنا ربّك ... وأظهر الأقوال أنّه قال ذلك في حال دهشته وغلبة الخوف عليه حتّى ذهب بعقله لما يقول, ولم يقله قاصداً لحقيقة معناه، بل في حالة كان فيها كالغافل والذّاهل والنّاسي الذي لا يؤاخذ بما يصدر منه ". (٤)

وكذا كانت اليهود تؤذي رسول الله بقولهم له: (راعنا)، وقد قالها


(١) رواه مسلم ح (٢٧٤٧).
(٢) فتح الباري (١١/ ١٠٨).
(٣) أعلام الموقعين (٣/ ٦٣).
(٤) فتح الباري (٦/ ٥٢٣).

<<  <   >  >>