للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

معناه , وجرى على عادته في الدّنيا في مخاطبة المخلوق". (١)

كما لم يكفر الذين خاضوا بالإفك، وآذوا النبي - صلى الله عليه وسلم - لعدم قصدهم إيذاءه، ومثلهم حال أولئك الأصحاب رضوان الله عليهم الذين أطالوا الجلوس عنده - صلى الله عليه وسلم - في يوم زواجه، فآذوه بذلك {إنّ ذلكم كان يؤذي النّبيّ فيستحي منكم والله لا يستحي من الحقّ} (الأحزاب: ٥٣).

يقول السبكي: " لكن الأذى على قسمين أحدهما: يكون فاعله قاصداً لأذى النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولاشك أن هذا يقتضي القتل، وهذا كأذى عبد الله بن أُبي في قصة الأفك، والآخر أن لا يكون فاعله قاصداً لأذى النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل كلام مسطح وحمنة في الإفك، فهذا لا يقتضي قتلاً.

ومن الدليل على أن الأذى لابد أن يكون مقصوداً قول الله تعالى: {إنّ ذلكم كان يؤذي النّبيّ} (الأحزاب: ٥٣). فهذه الآية في ناس صالحين من الصحابة، لم يقتض ذلك الأذى كفراً، وكل معصية ففعلها مؤذي، ومع ذلك فليس بكفر، فالتفصيل في الأذى الذي ذكرناه يتعين". (٢)

وقياساً على هذه المسائل توقف العلماء في تكفير أصحاب صور من الكفر لعدم إرادتهم هذا الكفر، ومثال ذلك يورده القاضي عياض بقوله: " وقد اختلف أئمتنا في رجل أغضبه غريمه، فقال له: صل على النبي محمد - صلى الله عليه وسلم -، فقال له الطالب: لا صلى الله على من صلى عليه. فقيل لسحنون: هل هو كمن شتم النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو شتم الملائكة الذين يصلون عليه؟ قال: لا، إذا كان على ما وصفت من الغضب، لأنه لم يكن مضمراً الشتم.

وقال أبو إسحاق البرقي وأصبغ بن الفرج: لا يقتل، لأنه إنما شتم الناس، وهذا نحو قول سحنون، لأنه لم يعذره بالغضب في شتم النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكنه لما احتمل الكلام عنده، ولم تكن معه قرينة تدل على شتم النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو شتم الملائكة صلوات الله عليهم، ولا مقدمة يحمل عليها كلامه، بل القرينة


(١) شرح النووي على صحيح مسلم (٣/ ٤٠).
(٢) فتاوى السبكي (٢/ ٥٩١).

<<  <   >  >>