المسلمين من الترامي بالكفر، لا بسنة ولا قرآن، ولا ببيان من الله ولا برهان". (١)
فالتأويل - كما رأيتَ - عذر ما زال العلماء يلوذون به من رمي مخالفيهم بالكفر والضلال، فلا كفر قبل قيام الحجة وزوال الشبهة، فهذا مذهب أهل السنة والحق في الاعتذار لمخالفيهم، بينما يهدر هذا العذر الأغرار ممن فاتهم لبوس العلم ومعارف العلماء، ومثله حال المبتدعة الذين مازال ديدنهم تكفير مخالفيهم مع غير إعذار ولا روية.
ثالثاً: التأويل الذي لا عذر فيه
وإذا كان التأويل عذراً يمنع من تكفير المتأول، فإنه لا يصلح جُنة وملاذاً يلوذ به كل متلاعب بالدين يبطن الكفر ويتقي بالتأويل.
وقد بين العلماء نماذج من التأويل الذي لا عذر لمن ادعاه، لأنه لا وجه له ولا احتمال، فتعلق أهل البدع فيه، لكنه في حقيقته تكذيب، إذ ليس مرده شبهة عارضة أو سوء فهم، بل هو من باب المغالطة والجحود.
يقول ابن تيمية: " ولا بد من التنبيه لقاعدة أخرى، وهي أن المخالف قد يخالف نصاً متواتراً ويزعم أنه مؤول، ولكن ذكر تأويله لا انقداح له أصلاً عن اللسان، لا على قرب، ولا على بعد، فذلك كفر، وصاحبه مكذب وإن كان يزعم أنه مؤول.
مثاله ما رأيته في كلام بعض الباطنية، أن الله تعالى واحد، بمعنى أنه يعطي الوحدة ويخلقها، وعالم بمعنى أنه يعطي العلم ويخلقه لغيره، وموجود بمعنى أنه يوجد غيره، فأما أن يكون في نفسه واحداً أو موجوداً وعالماً بمعنى اتصافه به فلا.
وهذا كفر صراح، لأن حمل الوحدة على إيجاد الوحدة ليس من التأويل في شيء، ولا تحتمله لغة العرب أصلاً، ولو كان خالق الوحدة يسمى واحداً لخلقِه الوحدة لسمي ثلاثاً أو أربعاً، لأنه خلق الأعداد أيضاً، فأمثلة هذه