للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مالك، إلا أنه قال: والوعيد المخوف إكراه، وإن لم يقع، إذا تحقق ظلم المعتدي وإنفاذه لما يتوعد به ....

وتناقض الكوفيون، فلم يجعلوا السجن والقيد إكراهاً على شرب الخمر وأكل الميتة، لأنه يخاف منهما التلف، وجعلوهما إكراهاً في إقراره: لفلان عندي ألف درهم.

قال ابن سحنون: وفي إجماعهم على أن الألم والوجع الشديد إكراه ما يدل على أن الإكراه يكون تلف نفس، وذهب مالك إلى أن من أكره على يمين بوعيد أو سجن أو ضرب أنه يحلف ولا حنث عليه، وهو قول الشافعي وأحمد وأبي ثور ". (١)

واعتبار السجن والتعذيب والقيد من صور الإكراه منقول عن الصحابة رضي الله عنهم،، فقد "أخرج عبد بن حميد بسندٍ صحيح عن عمر قال: (ليس الرّجل بأمينٍ على نفسه إذا سجن أو أوثق أو عذّب)، ومن طريق شريح نحوه وزيادة، ولفظه: (أربع كلهنّ كره: السّجن والضّرب والوعيد والقيد)، وعن ابن مسعود قال: (ما كلام يدرأ عنّي سوطين إلا كنت متكلماً به)، وهو قول الجمهور ". (٢)

وعلى الرغم من اعتبار العلماء لهذه الصور المختلفة إكراهاً، فإنهم لم يجيزوا التلفظ بكلمة الكفر في كل من هذه الصور، إذ لا يكفي أن يوضع القيد في معصم مسلم ليتقيه بالكفر، بل الإكراه أمر نسبي، يختلف باختلاف المكره عليه، يقول ابن تيمية: "تأملت المذاهب، فوجدت الإكراه يختلف باختلاف المكره عليه، فليس الإكراه المعتبر في كلمة الكفر كالإكراه المعتبر في الهبة ونحوها، فإن أحمد قد نص في غير موضع على أن الإكراه على الكفر لا يكون إلا بتعذيب من ضرب أو قيد، ولا يكون الكلام إكراهاً.

وقد نص على أن المرأة لو وهبت زوجها صداقها أو مسكنها، فلها أن ترجع بناء على أنها لا تهب له إلا إذا خافت أن يطلقها أو يسيء عشرتها،


(١) الجامع لأحكام القرآن (١٠/ ١٩٠).
(٢) فتح الباري (١٢/ ٣١٤).

<<  <   >  >>