للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويرد الشوكاني على من منع تقية الفعل (١) متعلقاً بسبب ورود قوله تعالى: {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} (النحل: ١٠٦)، فإنها نزلت في عمار، وقد أباح له الرسول - صلى الله عليه وسلم - القول، فقالوا التقية تكون بالقول لا الفعل، لكن الشوكاني يرده، ويرى أنه قول مردود: "يدفعه ظاهر الآية، فإنّها عامّة فيمن أكره من غير فرق بين القول والفعل، ولا دليل لهؤلاء القاصرين للآية على القول، وخصوص السبب لا اعتبار به مع عموم اللفظ، كما تقرّر في علم الأصول". (٢)

وبعد هذا كله لن يفوتنا التذكير بأن الصبر على البلاء والامتناع عن هذه الرخصة من عزم الأمور وفضائل العبادات، وزهوق نفس المؤمن وفوات مصالحه الدنيوية في هذا السبيل تجعله في مصاف سيد الشهداء حمزة رضي الله عنه، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه، فقتله)). (٣)

قال ابن حجر: "قال ابن بطال: أجمعوا على أن من أكره على الكفر واختار القتل أنه أعظم أجراً عند الله ممن اختار الرخصة ". (٤)

وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - لعمار بن ياسر: ((إن عادوا فعد)). (٥) فهو رخصة، و "هو على وجه الإباحة، لا على وجهة الإيجاب، ولا على الندب ". (٦)

وهكذا فإن إعذار المكره وترك عقوبته صورة من صور رحمة الله وأثر من آثار فضله وعدله، فإنه تبارك وتعالى لا يكلف نفساً إلا وسعها، ولا يؤاخذ واحداً بكسب غيره وعدم اختياره، فهذا مما تجاوز الله عنه لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - تكرماً منه وفضلاً.


(١) وهو قول مروي عن الحسن البصري رحمه الله، وهو قول الشافعي والأوزاعي وسحنون. انظر الجامع لأحكام القرآن (١٠/ ١٨٢).
(٢) فتح القدير (٣/ ١٩٧).
(٣) رواه الحاكم في مستدركه ح (٤٨٨٤)، والمنذري في الترغيب والترهيب ح (٣٤٨٣)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ح (٣٧٤).
(٤) فتح الباري (١٢/ ٣١٧).
(٥) رواه الحاكم في مستدركه ح (٣٣٦٢)، والبيهقي في السنن الكبرى (٨/ ٢٠٨) قال ابن حجر: "ورجاله ثقات مع إرساله، وهذه المراسيل يقوي بعضها بعضاً" فتح الباري (١٢/ ٣١٢).
(٦) أحكام القرآن (٥/ ١٣).

<<  <   >  >>