للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وقد يكون معصية كبيرة أو صغيرة، ويكون كفراً إما مجازياً وإما كفراً أصغر .. وإن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله، وعلمه في هذه الواقعة وعدل عنه، مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة، فهذا عاص، ويسمى كافراً كفرا مجازياً أو كفراً أصغر". (١)

وهذه الصورة هي التي عناها ابن عباس والتابعون من بعده، حين وصفوا الحكم بغير شرع الله أنه كفر دون الكفر الأكبر، قال ابن عباس: "إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه، إنه ليس كفراً ينقل عن الملة {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} (المائدة: ٤٤) كفر دون كفر". (٢)

وقال عطاء: "كفر دون كفر، وفسق دون فسق، وظلم دون ظلم". (٣)

وقال طاووس: " ليس بكفر ينقل عن الملة". (٤)

وثانيها: أن يكون عاجزاً عن تطبيق الشريعة، فهذا لا يكفر، لأن الأوامر الشرعية مقرونة بالاستطاعة {فاتقوا الله ما استطعتم} (التغابن: ١٦).

وقد ضرب العلماء أمثلة لذلك، أوضحها النجاشي رحمه الله، فقد كان ملكاً على قومه، فأسلم دونهم، وما قدر على تعلم الشريعة فضلاً عن تطبيقها، ومع ذلك فإن أحداً لا يشك في صحة إسلامه رحمه الله.

يقول شيخ الإسلام: " النجاشي، هو وإن كان ملك النصارى، فلم يطعه قومه في الدخول في الإسلام، بل إنما دخل معه نفر منهم، ولهذا لما مات لم يكن هناك من يصلي عليه، فصلى عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، خرج بالمسلمين إلى المصلى، فصفهم صفوفاً، وصلى عليه، وأخبرهم بموته يوم مات وقال: ((إن أخاً لكم صالحاً من أهل الحبشة مات)). (٥)

وكثير من شرائع الإسلام أو أكثرها لم يكن دخل فيها، لعجزه عن ذلك، فلم يهاجر ولم يجاهد، ولا حج البيت، بل قد روي أنه لم يكن يصلي


(١) شرح العقيدة الطحاوية (٢٦٣).
(٢) أخرجه الحاكم في المستدرك (٣٢١٩) قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وصحح إسناده الألباني في تخريجه لكتاب الإيمان لابن تيمية (٣٠٩).
(٣) رواه ابن جرير في تفسيره (٦/ ٢٥٦)، وذكره الترمذي معلقاً ح (٢٦٣٥).
(٤) رواه ابن جرير في تفسيره (٦/ ٢٥٦)، وذكر الترمذي نحوه معلقاً ح (٢٦٣٥) ..
(٥) روى البخاري نحوه ح (١٣٢٠)، ومسلم ح (٩٥٣).

<<  <   >  >>