فقال: لآني ما أكلت منه شيئاً حتى أعرفه.
فقال: ولِمَ لم تأكل؟
قال: لأنك ما أذنت لي بالأكل منه.
فعجب صاحب البستان من ذلك, ولما تبين له صدق عبده؛ عظم في عينه, وزاد قدره عنده. وكانت له بنتُ خطبت كثيراً, فقال له: يا مبارك, من ترى تزوج هذه البنت؟
فقال: أهل الجاهلية كانوا يزوجون للحسب, واليهود للمال, والنصارى للجمال, وهذه الأمة للدين.
فأعجبه عقله, وذهب فأخبر به زوجته, وقال لها: ما أرى لهذه البنت زوجاً غير مبارك.
فتزوجها, وأعطاهما أبوها مالاً كثيراً, فجاءت بعبدالله بن المبارك, العالم, المحدث, الزاهد, المجاهد, الذي كان أكرم ثمرة زواجٍ على أبويه في آفاق زمانه, حتى قال فيه الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى ويقسم على قوله: "وربَّ هذا البيت, ما رأت عيناي مثل ابن المبارك" (١).
واليوم وقد كثر الغش, والخداع, في واقع حياة بعض الناس, ندر أن تجد الصادق الصدوق في أداء الامانة, المبتعد عن الغش والخديعة!
وإن كانت نتيجة المعصية واضحة معلومة في الآخرة, فإن
(١) وفيات الأعيان ٢/ ٢٣٧ والتبر المسبوك ص ٨٥.